پایگاه تخصصی فقه هنر

احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص109

قال جدي في شرح القواعد في بيان النوح بالباطل (إما بأن تذكر صفات كاذبة ليست في الميت، أو تذكر الصفات التي لا يسوغ ذكرها، كأن تصفه بما يرفعه في دنياه ويضعه في أخراه، أو تقضي برفعته وضعة غيره، أو تأتي بالنوح غير السائغ لسماع الأجانب لو حرمناه، ونهى مفترض الطاعة، أو لكونه على الكفار ونحوهم.

وأما الباطل بمعنى الهذر فالظاهر عدم المنع فيه )(2) انتهى.

وهو كما ترى، لأنه (() إن أراد أن ذلك من النوح بالباطل فقد عرفت أنه خاص بخصوص الأمرين الأولين، وإن أراد أنه من النوح المحرم ولو لمحرم آخر فلا يختص ذلك بما ذكره (() بل أمثلته لا تنحصر، والظاهر أنه يريد الأول، لأن المقصود بالبحث إنما هو جواز التكسب وهو مختص بالنوح الجائز، لأن كل نوح ممنوع منه شرعاً لا يجوز التكسب به لقوله ((): (إذا حرَم الله شيئا حرم ثمنه)(3)، كما يظهر ذلك من قوله في ما بعد العبارة السابقة.

وعلى كل حال فالمدار على المنع الشرعي حتى تكون الأجرة أجرة على الحرام.

والظاهر عدم الفرق بين الإعطاء بعد المقاطعة وبدونها، وبين الدفع مع قصد التبرع وبدونه، لأن الظاهر من الأدلة أن جميع ما يتولد من الحرام حرام.

نعم لو أعطاها لا لأجل نوحها فلا بأس.

ولو خلطت بين الحق والباطل حرُمت أيضاً، ولو خلطته بصوت الغناء حرمت أجرتها أيضاً، لظاهر الأخبار ولعدم الانفكاك عن خليط الحق.

وكيف كان فالظاهر حرمة النوح بالباطل وحرمة أخذ الأجرة عليه من غير فرق بين النائح والنائحة، كما أنه يجوز بالحق وأخذ الأجرة عليه، فما عن المبسوط من إطلاق حرمة النائحة وحكاية الإجماع على ذلك منزَل على النوح بالباطل خصوصا بعد ما يُحكى عن العلامة في المنتهى من حكاية الإجماع على جواز أخذ الأجرة على النوح بالحق المستلزم لجوازه(1).

وعلى كل حال فلا ينبغي استثناء النوح الجائز من الغناء، لأنهما حقيقتان مختلفتان وماهيتان متباينتان، وهل يخفى الفرق بين الأصوات المهيجة للأحزان لفراق الأرحام والإخوان وبين ما يهيج حرق الأشواق ويضرم النار في قلوب العشاق ؟ أين حرقة المحزون من تطريب العاشق المفتون ؟ فلو طرق السمع من داخل الدار أو محل بعيد عن الأبصار صوت النداء عرف أنه من الغناء أو العزاء، فبعد التأمل في البين ظهر التباين بين القسمين، بل بعد التأمل بعين الإنصاف يُعلم أن النائح أو النائحة لو مدَا أصواتهما تمام المد، وتجاوزا في الترجيع الحد، ولم يخرجا عن صفة النياحة المعروفة لم يوصفا بصفة الغناء الموصوفة.

حفظ كتب الضلال