احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص105
نعم يعتبر في تحقق قصد الاعانة العلم او الظن بصدور الفعل منه؛ لانه مع العلم او الظن بعدم صدور الفعل من المعان لا يعقل تحقق قصد الاعانة، والظاهر كفاية الشك في تحقق قصد الأعانة، كما انه يعتبر في صدق الاعانة عرفاً علمه او ظنه او احتماله مدخلية عمله في الفعل المعان عليه، فلو علم عدم مدخلية فعله كمن يصنع سيفاً لشخص ليقتل به آخر مع انه قاطع (بأَنْ)(1) لا مدخلية لسيفه في ذلك، بل هو مقتول صنع السيف أم لا، فلا اعانة.
ثانيها: المراد من الظالمين هنا حكام الجور مخالفين كانوا او موافقين، فان اعانتهم على ظلمهم محرمة مطلقاً، بل ربما يعم العنوانُ الظالمَ لنفسه، فتدخل العُصاة في الظالمين، فتحرم اعانتهم على معاصيهم، فيكون المراد من الظالمين الظالمين لانفسهم كالعاصين، ولغيرهم في اموالهم وابدانهم واعراضهم أو اديانهم كالافتاء والقضاء ممن ليس له اهلية ذلك، فعلى هذا تكون الادلة المتقدمة الدالة على حرمة اعانة الظالمين دالة على حرمة اعانة العصاة على معاصيهم.
وإن أبيت عن شمول لفظ الظالمين للعصاة فلا أباء عن شمول حكمهم لهم؛ لان اعانتهم على معاصيهم محرمة بالاجماع، وقوله تعالى: [وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ](2)، ولا فرق في حرمة اعانة الظلمة على ظلمهم بين ان يكونوا عاصين بذلك او لا، فالمعذور في ظلمه بجهل او نقص او تقية تحرم اعانته وإن لم يعص بظلمه.
كل ذلك لاطلاق الادلة المتقدمة الدالة على حرمة اعانة الظلمة.
ويظهر من الادلة بعد امعان النظر فيها ان الاعانة على ظلم الناس ليس سبيلها سبيل الاعانة على بقية المعاصي، بل الاعانة على ظلم الناس حرام وإن كانت غير مستلزمة لحصوله، وفي غيره الامر أيسر من ذلك كما لا يخفى.
ثالثها: ان جميع ما مر في تحريم اعانة الظلمة على ظلمهم او على غيره من المحرمات، واما اعانتهم على المباحات كبناء القناطر والمساجد، ومثلها الاعمال لهم كخياطة ثيابهم وبناء دورهم ونحوها، فان صدرت هذه الامور عن ميل اليهم بسبب ظلمهم وكبرهم وجبروتهم، أو بقصد السعي في اعلاء شانهم ورفع منزلتهم وحصول الاقتدار لهم على رعيتهم او تكثير سوادهم فلا كلام في حرمتها، وإن خلت من تلك الاحوال فقد ورد في جملة النصوص تحريمها، فعن الصادق ((): (لا تعتهم على بناء مسجد)(1)، وعنه ((): (وقد سئل عن الرجل منا يصيبه الضيق والشدة فيدْعى الى البناء يبنيه او النهر يكريه او المسنّاة يصلحها (() ما أحب اني عقدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاءً، وان لي ما بين لابتيها، لا ولا مَدّة بقلم.