پایگاه تخصصی فقه هنر

احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص96

رابعها: بعض الاخبار النبوية منها ما روي عن النبي ((): (ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن)(2)، وخبر عبد الرحمن بن السايب (قال: اتيت سعداً وقد كف بصره فسلمت عليه، فقال: من انت ؟ فاخبرته، فقال مرحباً يا ابن اخي، بلغني انك حسن الصوت بالقرآن، سمعت رسول الله (() يقول: ان هذا القران نزل بحزن فإذا قرأتموه فابكوا فان لم تبكوا فتباكوا، فمن لم يتغن بالقران فليس منا)(3)، وما روي عنه (() انه قال: (لا يأذن الله لشيء من أهل الارض الا لأصوات المؤمنين والصوت الحسن في بالقرآن)(4)، قال وهذه الاخبار دالة على جواز التغني بالقران بل على رجحانه.

أقول اما الخبر الثالث فمعناه (لا يستمع) قال الشاعر:

صمٌ إذا سمعوا خيرا ذكرت به

وان ذكرت بشرٍّ عندهم أذنُ(5)

فان قلت كيف يصح ان يقال(لا يستمع) لشيء من أهل الارض وهو يقال سامع لكل مسموع ؟ قلت: معناه لا يتقبل، على حد قولك: خاطبته بكلام فلم يسمعه، وهذا كلام لا اسمعه، وهذا الخبر لا دلالة فيه على جواز التغني؛ للفرق الواضح بين الصوت الحسن وبين الغناء، وأما الخبران الاولان فيحتمل فيهما وجوه:
أحدها: ان المراد من قوله (من لم يتغن) من لم يستغن وهذا كثير في شعر العرب، نظيره قال الأعشى(1):
وكنتُ امرءً زمنا بالعراقْ

عفيفَ الُمناخ طويل التَّغنّ

وقال الآخر(2):
كلانا غنيٌٌ عن اخيه حياته

ونحن إذا متنا أشد تغانيا

ويؤيد ذلك ما روي عن أبن مسعود انه قال: (من قرأ سورة عمران فهو غني)(3)، وفي حديث آخر(نعم كنز الصعلوك سورة آل عمران يقوم بها في آخر الليل)(4)، وما روي عن النبي (()أنه قال: (لا ينبغي لحامل القران أن يظن أن أحداً أعطي أفضل مما أعطي لأنه لو ملك الدنيا بأسرها كان القران أفضل مما ملكه)(5).

ثانيها: المراد بقوله (من لم يتغنَّ)(6) من لم يستعذب ويستحلِ ويتلذذ، فمن لم يتلذذ بالقران – كما أن أهل الطرب يتلذذون بالغناء – فليس منا، وسمى ذلك تغنيا لمشابهته الغناء في أن كال منهما صوت يتلذذ به.

ثالثها: المراد من التغني المقام من قبيل قولهم: غني الرجل بالمقام إذا طال مقامه
به ومنه المغنى والمغاني ومنها قوله تعالى: [كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا](7) أي لم يقيموا فيها فيكون معنى الحديث من لم يقم على القران وتجاوزه الى سواه فليس منا.

فان قلت قد يتعدى القران الى غيره قلت ليس ذلك تعدًّ للقران لأنه هو الدال على وجوب اتباعها هذا كله مع ان الاخبار نبوية غير معلومة السند وعلى تقدير صحتها وصراحتها لا بد من تأويلها أو طرحها لعدم قابليتها لمعارضة ما مر خصوصا بعد ان كان ظاهرها الالزام.