احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص93
ومثل ذلك الاستناد الى بعض الروايات الدالة على حسن صوت داود (()(2)، وصوت زين العابدين (()، حتى قيل ان صوت داود (() يسقط له الطير، وصوت زين العابدين (() يسقط له بعض المارين(3)، فيكون ذلك حجة على جواز الغناء المجرد عن المحرمات الخارجية ضرورة حصول الفرق بين الحس الذي هو من عطاء الرحمن والتحسين الناشيء من الترجيع الناشيء من دعوة الشيطان، وما أحسن تشبيه ذلك بامرأة ذات جمال وأخرى متحلية لتميل قلوب الرجال وأستندوا الى بعض الاخبار كخبر ابي بصير قال: (سألت أبا جعفر(4) (() عن كسب المغنيات فقال: التي تدخل عليها الرجال حرام)(5)، وخبره الآخر عن أبي عبد الله (() قال: (قال أبو عبد الله (() أجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس، ليست بالتي تدخل عليها الرجال)(1)، وخبر يونس؛ لان فيه (إذا ميز الله بين الحق والباطل، أين يكون الغناء ؟)(2)، والخبر الاخر الذي تضمن لقوله (ما كان عليك لو أشتريتها فذكرتك الجنه)(3)، وغيرها من الاخبار التي يستشم منها أن تحريم الغناء من حيث اقترانه بمحرم خارجي، وهي على تقدير صحة سندها وصراحتها ليست لها قابلية معارضة بعض ما مر من الادلة فلا بد من أطراحها.
فمن الغريب ما وقع للفاضلين المذكورين(4) من الفتوى بذلك بل أعرب من ذلك متابعة بعض من تأخر عنهما لهما في ذلك، خصوصا بعد ان لم يكن لهما موافق ممن تقدمهما من الاصحاب، وأما دعوى أن الشيخ في الاستبصار ممن يفتي بذلك وأنه موافق لهما في ذلك فهو تقوُّلٌ على الشيخ (() لانه قال في الاستبصار بعد نقل الاخبار الدالة على نفي البأس عن كسب المغنيات في الاعراس ما لفظه (الوجه في هذه الاخبار الرخصة في من لا يتكلم بالاباطيل ولا يلعب بالملاهي والعيدان وأشباهها ولا بالقصب وغيره، بل يكون ممن يزف العروس ويتكلم عندها بأنشاد الشعر والقول البعيد عن الفحش والاباطيل، واما ما عدا هؤلاء ممن يتغنين بسائر انواع الملاهي فلا يجوز على حال سواء كان في الاعراس أو غيرها)(5)، وهو صريح في حرمة التغني بسائر أنواع الملاهي في الاعراس وغيرها وفي جواز التغني بالشعر والقول البعيد عن الفحش في الاعراس ولا دلالة فيه على جواز التغني بذلك في غير الاعراس فما زعمه في الوافي(1) من أنه موافق لهما في الفتوى تقوّل عليه فتبصّرْ.
المقام الثالث: في المستثنيات
وفيه مباحث:
أحدها: في القرآن، يظهر من بعض أصحابنا جواز التغني بالقرآن، وقصارى ما يمكن أن يكون لهم مستند أمور:
أحدها: عدم صدق الغناء فيه؛ لأنه ما أقترن بمحرم خارجي كاللعب بآلات اللهو ودخول النساء على الرجال ونحوهما من المحرمات، والمفروض عدم ذلك، وفيه ما عرفت سابقاً من اتفاق اهل اللغة والفقهاء على انه من مقولة الاصوات أو من كيفياتها، ولا دخل للمحرم الخارجي في تحقق موضوعه.
فان قلت: نعم، ولكنّ تلك الكيفية الخاصة لا يعدها أهل العرف في قراءة القرآن غناءاً وإن عدت في غيرها غناءاً، والمفروض انكم وكلتم الموضوع إلى العرف كما هو الدأب والديدن في سائر الموضوعات، قلت: هذا ناشيء من اشتباه العرف، وإلا فبعد فرض الغناء من الكيفيات الخاصة للّفظ، فايّ دخل لخصوص اللفظ في ذلك؟، فمتى تحققت تلك الكيفية الخاصة ووجدت ينبغي تحقق الغناء ووجوده في أي لفظ كان سواء القران وغيره.