احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص92
والحاصل بعد التأمل في ما ذكرناه من الأدلة يحصل للفقيه القطع بتحريم الغناء من غير فرق بين ان يقترن بمحرم خارجي أو لا، والظاهر انه لم يزل المذهب كذلك حتى قام الكاشاني(1) والخراساني ففصلوا ما أقترن بمحرم خارجي وبين غيره، وحكموا بتحريم الأول دون الثاني والظاهر أنهما تبعا في ذلك من جعل الله الرشد في خلافه وهو الغزالي، قال في الوافي (والذي يظهر من مجموع الاخبار الواردة فيه أختصاص حرمة الغناء وما يتعلق به من الاجر والتعليم والاستماع والبيع والشراء كلها بما كان على النحو المعهود المتعارف في زمن بني أمية وبني العباس من دخول الرجال عليهن وتكلمهن بالاباطيل ولعبهن بالملاهي من العيدان والقضيب وغيرها دون ما سوى ذلك كما يشعر به قوله ((): (ليست بالتي تدخل عليها الرجال)(2)، ثم قال بعد ذلك بيسير (وعلى هذا فلا بأس بسماع التغني بالاشعار المتضمنة ذكر الجنة والنار والتشويق الى دار القرار ووصف نِعَم الله الملك الجبار وذكر العبادات والترغيب في الخيرات والزهد في الفانيات ونحو ذلك)(3).
وفيه أنهم اما ان يريدوا عدم كون المجرد عن هذه المحرمات الخارجية غناء، وهو مردود بأتفاق كلام أهل اللغة وفقهائنا على ان الغناء من مقولة الصوت ومن كيفيته ولا ربط له بأمر خارجي، بل الرجوع الى العرف يكذب هذه الدعوى كما لا يخفى على من مارسه، وأما ان يريدوا انه وان كان غناءً ولكن المحرم من الغناء هو ما أقترن بمحرم خارجي لعدم الدليل على تحريم ما عداه، فيرجع فيه الى أصل الاباحة، لان الاخبار المتقدمة انما دلت على تحريم القول الزور واللغو ولهو الحديث وأما ما لم يكن كذلك من الغناء فلا دليل على حرمته، وهو مردود بالاجماعات المتقدمة المنقولة بل الاجماع المحصل فضلا عن المنقول الدالة على تحريم مطلق الغناء من غير فرق بين المقترن بالمحرم وغيره، ومع قطع النظر عن الاجماعات، فاطلاق الاخبار المتقدمة كاف في ذلك، على أن ما دل على تحريم القول الزور ولهو الحديث شامل لذلك لأنه من ذلك ولو بأعتبار الكيفية كما لا يخفى على المتأمل.
والاستناد في ذلك – الى بعض الاخبار الخاصة كخبر علي بن جعفر المروي عن قرب الاسناد عن اخيه ((): (سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر والاضحى ؟ قال: لابأس به ما لم يعصى به)(1) – مما لاوجه له إذ هو مع قصوره عن معارضة ما سمعت من الاخبار المجبورة بما سمعت من الاجماعات مضطرب لأن علي بن جعفر رواه في المحكي من كتابه بابدال (ما لم يعص به) (ما لم يزمر به) أي يصفه بالزمارة أو يجعل صوته كالزمار وفي بعض النسخ (ما لم يؤمر به) فحينئذ لا بد من حمله أما على التقية أو على أرادة خصوص العرس في اليومين أو على إرادة التغني بالشعر على وجه لا يصل إلى حد الغناء فيكون ذلك هو المراد من قوله (ما لم يُعص به) وإن أبيت من الحمل فلا بد من اطّراحه لقوة المعارض.