احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص49
وأما القول بجواز البيع على المستحل دون غيره(3)، أما عدم الجواز على غير المستحل فمستنده ما سمعت من أدلة المانع مطلقا، وقد عرفت ما فيها، وأما الجواز على المستحل فمستنده الأذن بذلك في بعض الاخبار، كخبر زكريا بن آدم الوارد في المرق وفي العجين إذا قطر فيه خمر أو نبيذ أو دم ( ففيه، قلت: أبيعه من اليهود والنصارى فأنهم يستحلون شربه، قال: نعم)(4) وصحيح حفص في عجين يعجن من الماء النجس، كيف يصنع به ؟ قال: يباع ممن يستحل الميتة(5) ولا يخفى عليك أنه بعد العمل بأدلة المانع مطلقا لا يمكن تخصيصها بالخبرين المذكورين لقصورهما عن مقاومة تلك الادلة، خصوصا بعد معارضتهما بمرسل أبن أبي عمير الآمر بدفن العجين النجس الناهي عن بيعه(1) مضافاً الى كون الكفار مكلفين بالفروع، فيكون حالهم كحال المسلمين، فالبيع عليهم يكون من باب الاعانة على الاثم، مضافا الى لزوم استحلال الثمن المقبوض بالبيع الفاسد، فلا بد من حمل الخبرين المذكورين ــ على تقدير العمل بأدلة المانع أو مطلقا ــ على التقية او على البيع من الحربي فيكون من باب الاستنقاذ لا من باب البيع.
وأما القول بالجواز في ما يقصد مزجه بالماء المطلق فأن لم نقل بجواز الانتفاع به على حاله أو لم نقل بجواز بيعه لذلك الانتفاع فلا وجه للقول بجواز بيعه لذلك، لان هذه المنفعة من المنافع النادرة التي لا يجوز البيع لأجلها كما لا يخفى.
واما تعليل الشرائع الجواز بقبولها التطهير فمما لا وجه له لتعذر تطهيرها بدون استهلاكها في الماء المطلق، وذلك لا يعد تطهيراً، بل من الاتلاف والاضمحلال.
فاذا امتنع الانتفاع بها باقية على حالها لم يجز بيعها، ودعوى ان استهلاكها وصيرورتها ماء مطلقا من جملة المنافع التي يجوز البيع لاجلها مما لا وجه له، لأنها من المنافع النادرة التي لا يجوز البيع لها، فالحقُّ جواز بيع المائعات المتنجسة وإن لم نقل بقبولها التطهير.
ومن هنا يعلم أنه يجوز التكسب بالدهن المتنجس بالعارض، وعلى القول بعدم جواز التكسب بالمائع المتنجس بالعارض الذي لا يقبل التطهير يجوز التكسب بالدهن المتنجس بالعارض حيوانياً كان أو غيره بإجماع أصحابنا محصلاً ومنقولاً نقلاً مستفيضاً خلافا للشيخ (() حيث خصص ذلك بالزيت(2) وهو محجوج بالاجماع وبالاخبار المستفيضة التي منها خبر أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (() عن الفأرة تقع في السمن أو في الزيت فتموت فيه، فقال: (إن كان جامداً فتطرحها وما حولها وتاكل ما بقي، وإن كان ذائبا فأسرج به، واعلمهم إذا بعته)(3).
ومنها خبر معاوية بن وهب وغيره عن أبي عبد الله ((): (في جرذ مات في زيت، ما تقول في بيع ذلك ؟ فقال: بِعْهُ وبيّنه لمن اشتراه ليستصبح به)(1).
ومنها خبر اسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد الله (() قال: (سأله سعيد الأعرج السّمان وأنا حاضر عن الزيت والسمن والعسل تقع فيه الفأرة فتموت، كيف يصنع به ؟ فقال: أما الزيت فلا تبعه الإ لمن تبينُ له فيباع للسراج، وأما الأكل فلا، وأما السمن، فإن كان ذائباً فهو كذلك، وإن كان جامداً والفأرة في أعلاه فيؤخذ ما تحتها وما حولها، ثم لا بأس به، والعسل كذلك، إن كان جامداً)(2).