احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص22
هذا بناءاً على ما ذكرنا من القاعدة التي احكمناها وهي حرمة الانتفاع(2) بها الا ما خرج بالدليل.
فالميتة بالخصوص مما خرجت بالدليل، لما دلّ على عدم جواز الانتفاع بها لقوله ((): (ولا ينتفع بها ولو بشسع نعل)(3) فيكون التكسب بها من باب اكل المال بالباطل، لاشتراط وجود المنفعة المحللة في المبيع.
واما ما يقوله بعض الاعيان من انّ المنافع النادرة التي لا تعد استعمالاً عرفاً كاحراقها في الحمام او إعطائها لحيوان لياكلها لا تدخل تحت الاخبار المانعة عن الانتفاع بالميتة، لانه (() جعل الفرد الخفي مثل شسع النعل الذي هو من الاستعمالات المتعارفة للجلود، فلا ينصرف له الاطلاق لمثل ذلك الانتفاع، فنرجع فيه الى اصالة الجواز، ففيه:
أولاً: إنه مبني على أصالة جواز الانتفاع بالاعيان النجسة التي قد عرفت انقطاعها بالادلة المتقدمة.
ثانيهاً: إن هذه الانتفاعات لا تجوّز التكسّب، لانه انما يجوز فيما كانت له منفعة مقصودة للعقلاء يعدّ من جهتها مالا، ويقابل بالعوض لأجلها، وهذه المنافع ليست كذلك، بل هي من المنافع النادرة كاكلها عند الضرورة، فكما لا يجوز البيع لذلك، لا يجوز البيع لهذه المنافع النادرة، بل قد عرفت في القانون المتقدم أن كل ما حرمت منفعته الغالبة التي من جهتها يعد مالا وإن حلّت بقية منافعه لا يجوز التكسب به.
ويدل على حرمة التكسب بالميتة مضافا الى ما مر الاجماع المحكي عن التذكرة(1) والمنتهى(2) والتنقيح(3) على حرمة ذلك.
ويدل عليه ايضا الاخبار المتكثرة العادّة ثمن الميتة من السحت، فمنها: خبر يزيد بن فرقد عن ابي عبد الله (() قال: (السحت ثمن الميتة وثمن الخمر ومهر البغي والرشوة في الحكم وأجر الكاهن)(4) ، ومنه وصية النبي (() لعلي ((): (يا علي من السحت ثمن الميتة وثمن الكلب وثمن الخمر ومهر الزانية)(5) ، ومنها خبر عبد الله بن جعفر عن أخيه موسى (() قال: (سألته عن الماشية تكون للرجل فيموت بعضها، يصلح له بيع جلودها ودباغها ولبسها ؟ قال: لا ولا لبسها فلا يصلَّ فيها)(6) ، ويدل عليه قوله تعالى: [حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ](7) ، لأنه إما ان يكون التحريم لجميع المنافع التي منها البيع، او لخصوص المنفعة الظاهرة وهي الاكل، وعلى الاول فالامر واضح، وعلى الثاني كذلك، لان تحريم المنفعة الغالبة يقتضي تحريم التكسب كما عرفت فيما سبق.
وهنا مباحث: