پایگاه تخصصی فقه هنر

احکام المتاجر المحرمة-ج1-ص1

الحمد لله السميع العليم، وصلى الله على محمد ذي الخلق العظيم، وعلى آله الهداة الى الصراط المستقيم، وبعد:
إن العلماء جبال رواسٍ على الأرض، وكتبهم منائر للناس تنير لهم السبيل، وطبعُ كتاب مخطوط لأحد هؤلاء العلماء العظام إضاءة لمنار من هذه المنارات، وهذا كتاب للشيخ مهدي كاشف الغطاء (() يطبع ليزيد من سطوع نور العلم.

موضوع هذا الكتاب هو بعض أنواع المعاملات المحرمة، وقد درس المصنف (() أدلة هذه المعاملات للوصول الى أحكامها، فهو بحث استدلالي في باب واحد من أبواب الفقه وهو باب المكاسب المحرمة، ومن قراءتي لمقدمة المصنف عرفتُ أنه لم يضع عنواناً لهذا الكتاب لكنني سأختار له عنواناً من عبارة وردت في مقدمته كي لا أخرج عما كان يدور في ذهن المصنف، لأن أهل مكة أدرى بشعابها، والعنوان هو (أحكام المتاجر المحرمة ) علماً أن العبارة الواردة في المقدمة هي (أحكام المتاجر ) فقط، وأضفت كلمة ( المحرمة ) التي يقتضيها حصر الموضوع، لأن الظاهر أن المصنف أراد أن يكتب في الأبواب الأخرى من المعاملات، ولكن العمر لم يسعفه على ذلك، فانه كتب هذا الكتاب في أواخر عمره الشريف، فهو حين يذكر الشيخ الأنصاري (() في المواضع الأولى من الكتاب بقوله (سلمه الله) وهذا ظاهر في أن الشيخ الأنصاري لا يزال حياً في ذلك الوقت، وفي المواضع الأخيرة من الكتاب يقول (() وهذا ظاهر في أنه توفي في ذلك الوقت، علماً أن الشيخ الأنصاري توفي سنة 1281 هـ، وتوفي المصنف بعده بثماني سنوات أي في سنه 1289 هـ.

يُبتلى الناس بالأحكام المدروسة في هذا الكتاب، وبعبارة حديثة أن موضوعه عملي يتعرض له أكثر الناس في حياتهم اليومية، وهذا أحد الأسباب التي دعتني الى الاهتمام بتحقيقه بعدما أعطاني مخطوطته الشيخ الدكتور عباس كاشف الغطاء متفضلاً لخدمة الدين والعلم حين كنت أبحث عن مخطوطة نحوية في مكتبتهم، وكلما زدت معرفةً بالكتاب زاد تعلقي به لسبب آخر هو عبارة الشيخ العربية الجميلة السلسة حيث أن المصنف شاعر يعرف اللغة وجمالها بحيث تطيعه الألفاظ متى أمرها.

أما منهج الكتاب فلا يخرج عن المناهج المتبعة عند الفقهاء عموماً في الكتب الاستدلالية في عصره وهو عصر الشيخ الأنصاري والشيخ الجواهري (قدس سرهما) وهذا المنهج معروف بالاستطراد في البحث من أجل استيعاب الموضوع من جوانبه جميعها، وهذا هو ديدن التطور العلمي في أنه يجرب كل ما يمكن أن يوصله الى نتيجة تزيد الحياة تكاملاً نحو النظام الأحسن، وتبحث أموراً جديدة لم تكن مطروقة من قبل، فمثلاً كان الفقه يهتم كثيراً بالمياه لقلتها ، أما الآن فان ذلك الاهتمام أقل لكثرتها في حياة الناس، فالفقه يتكيف مع الزمن ولكن وفق ضوابط الشرع، وقد زاد الاهتمام الآن بالتجارة مثلاً لأن الزمان زمان البورصات.

وفيما يخص وصف مخطوطة كتابنا التي يظهر أنها وحيدة، فقد تحريت على نحو عاجل عن إمكان وجود نسخة أخرى أقابلها بها لتصحيحها وسد نواقصها ولكنني لم أجد ما يشير الى وجودها في ما تحت يدي.

وهي واضحة الخط، ومعدل السطور في كل صفحة فيها تسعة عشر سطراً ومعدل الكلمات في السطر الواحد سبع عشرة كلمة، والظاهر أنها نسخت في حياة المصنف، وذلك واضح من صفحة العنوان فان الناسخ أستعمل مع والد الشيخ وجده (قدس سرهما) كلمة الترحم ودعا لهما دعاء المتوفين، ولم يذكر ذلك عن الشيخ نفسه، وكتب بعض التملكات في هذه الصفحة.

أما اسم الناسخ وسنة النسخ فمجهولان، والناسخ كثير الإسقاط لكلمات وعبارات، لا بل لجمل وأحياناً لاسطر من مادة المخطوطة، وقد تلافيت ذلك في أغلب مواضع الأسقاط، إما من سياق العبارة فأضفت الكلمة الساقطة حسب حاجة المعنى أو من المصادر التي راجعها المصنف، وقد حصرت الإضافة بين معقوفتين للإشارة الى اضافتها الى المخطوطة.

تحسين غازي عبد الأمير البلداوي

(4)
احكام المتاجر المحرمة

(3)
المقدمة

نبذة من حياة الشيخ مهدي الغطاء
اسمه ونسبه
هو الشيخ مهدي بن الشيخ علي بن الشيخ الكبير جعفر كاشف الغطاء النجفي، والشيخ جعفر هو أبو العائلة المعروفة في النجف الأشرف.

ولادته
ولد في النجف الأشرف سنة 1226 هـ.

مكانته
كان الشيخ مهدي من العلماء الكبار في عصره بشهادة كل من ترجم له، فقال عنه في أعيان الشيعة ( العالم الأديب، أحد أعيان فقهاء عصره ورؤسائه من فقهاء العرب المعدودين في عصره )(1) وقد كان الشيخ مرتضى الأنصاري يجله ويعتمد عليه في أمور الدين كما ورد في معارف الرجال حيث قال: وكان الأنصاري (() يعظمه ويقدمه في كثير من الأمور الشرعية والعرفية التي تعود الى فضلاء العرب، وصار المدرس الأوحد في الفقه والأصول، عاصر فطاحل العلماء، وله الأظهرية في الرئاسة على معاصريه، كفقيه العراق الشيخ راضي، والأستاذ الشيخ محمد حسين الكاظمي والشيخ ملا علي الخليلي والسيد حسين الكوهكمري ونظراؤهم، وقد رجع اليه المسلمون في التقليد في قفقازية وأهم مدن ايران مثل طهران وأصفهان وتبريز وبعض مدن العراق كما رجع اليه جملة من سواد العراق (2).