الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص2141
آية (29) من سورة النساء، والربا مما أجمعت الأديان السماوية على تحريمه، وداوعي تحريمه كثيرة، فهو من المور التي تعوق المجتمع عن الاشتغال بالأمور المفيدة النافعة، فصاحب المال إذا سلك طريق الربا في إنما ماله، وجلب الربح منه. سهل لديه أسباب العيش، فيميل إلى الكسل والباطالة والخمول، وترداد شراهته في جمع الأموال بغير حق والاستيلاء على حقوق الناس من غير رحمة ولا شفقة، وتزداد الفوارق بين طبقات المجتمع في الفقر والغنى. والربا يؤدي إلى انتشار العداوة، والبغضاء ويولد الأحقاد قرن اللّه تعالى النهي عن أكل أموال الناس بالباطل بقتل النفس في الآية الكريمة، فقال تعالى بعد النهي عن الربا ولا تقتلوا أنفسكم
لأن الربا يؤدي إلى قتل الأنفس، وسفك الدماء من أجل الأموال.
ولأن الربا أخذ مال بلا عوض، وهو نوع من الظلم الذي حرمه الشارع الحكيم، لأنه استيلاء على الأموال من غير الطريق المشروع، وكل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه، وعاقبة الربا إنما هو الخراب والهلاك، والدمار، قال تعالى: يمحق اللّه الربا ويربي الصدقات
وقد توعد اللّه تعالى الذين يأكلون الربا ولا يتوبون، بأشد أنواع الوعيد، وهو أنه يشن عليهم حرباً في الدنيا وعذاباً يوم القيامة قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من اللّه ورسوله، وإن تبتم فكلم رؤوس أموالكم لا تظلمون، ولا تظلمون
.
فالأجرد بالمسلم أن يبحث عن مصادر تنمية أمواله عن طريق مشروع، حتى تصبح معيشته واقتصادياته من طريق مستقيم لا استغلال فيه ولا بغي ولا عدوان، على الفقراء والمحتاجين.
وأما جناية اكل مال اليتمي، فهي أفظع من التعامل بالربا، واشد ضراوة منها، لما يترتب عليها من الأضرار البليغة ولهذا نهى الشارع عنها ووصمها أبلغ وصم فقال تعالى. وآتوا اليتاميى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوباً كبيراً
وقال تعالى: وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا، ومن كان غنياً فليستعفف، ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف، فإذا دفعتم اليهم أموالهم فاشهدوا عليهم وكفى بالله حسيباً
.
والواجب شرعاً أن يرعى الوصي مال اليتيم ويحافظ عليه وينميه، ولا يبيح لنفسه شيئاً منه. إلا عند الحاجة الماسة، فيأخذ ما يحتاج إليه من غير إسراف ولا تبذير. فقد أجمعت الآراء على أن مال اليتيم لا يحل للوصي، ولا يأخذ منه شيئاً حتى تبقى صلات المحبة والمودة قائمة بين الناس. وكما تدين تدان وكما تفعل تجازى وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا اللّه وليقولوا قولاً سديداً
.
وبين اللّه عز وجل أن أكل مال اليتيم من أشنع أنواع الحرام، فكأنه يأكل من جمر جهنم، قال تعالى: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً
.