الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص2103
الحنفية، والمالكية، والحنابلة – قالوا: إن الإمام إذا ضرب رجلا للتعزير فمات بسبب الضرب فلا يجب عليه الضمان، لأن منصب الإمام يجل عن أن يعزر احداً بغير المصلحة، بخلاف غير الإمام فإنه قد يعزر غيره وعنده شائبة تشف منه لعداوة سابقة مثلاً، وما سمعنا أن حاكماً قتل بقتله احداً في تعزير، ولا غرم دية.
الشافعية – قالوا: إن الإمام لو عزر رجلاً فمات بسببه وجب عليه الضمان، لأن الشرع لا محاباة فيه لاحد من الناس، فالإمام الأعظم كآحاد الناس في تطبيق أحكام الشربعة عليه.
قالوا: والتعزير مشروع سواء أكان الذنب حقاً لله تعالى أم لآدمي، وسواء أكان من مقدمات ما فيه حد كمباشرة أجنبية في غير الفرج وسرقة ما لا قطع فيه، والسبب بما لا قذف فيه، أن لا. كجناية التزوير في الأوراق الرسمية، واختلاس الأموال وشهادة الزور)
– – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – –
5 جواب وسؤال
-فإن قلت: كيف يصل التعزير إلى هذا القدر من العقوبة، مع أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (لا يضرب فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود اللّه)؟
فإن ظاهر هذا الحديث يدل على أن عقوبة غير الحد لا يجوز أن تزيد على عشرة أسواط كما يقول الحنابلة(1).
وقد أجاب أبن القيم نفسه عن هذا: بأن الحدود التي تطلق على العقوبات، تطلق أيضا على نفس الجناية والمعصية كما ذكرناه في بحوثنا السابقة.
والمراد بها في الحديث، المعصية، لا العقوبة، فمعنى الحديث لا تجوز العقوبة بالضرب زيادة على عشرة أسواط إلا في الجنايات أن يختلي بامرأة محرمة، أو يشهد زوراً، أو يغش شخصاً، أو يخدعه، أو يحتال عليه، أو يقامر، أو يبذر ماله فيما يؤذي الناس. أو يسعى بالنميمة بين الناس. أو يطفف الكيل والميزان، أو يصرف وقته في الملاهي أو غير ذلك مما لا يمكن حصره هنا. فكل جناية لم يضع لها الشارع حداً، ولاكفارة فإن للحاكم فإن يعاقب عليها بالسجنن أو الضرب بحسب ما يراه زاجراً للمجرم.
أما غير الجنايات من المخالفات، كمخالفة الابن لأبيه، ونحو ذلك مما يقع من اصبيان فإنه يصح التأديب عليها باضرب بشرط أن لا يزيد عن عشرة أسواط.
فهذا هو معنى الحديث. وهو حسن.
وبالجملة فإن التعزير باب واسع يمكن للحاكم أن يقضي به على كل الجرائم التي لم يضع الشارع لها حداً أو كفارة، على أن يضع العقوبة المناسبة لكل بيئة، ولكل جريمة من سجن أو ضرب، أو نفي، أو توبيخ، أو غير ذلك(2).