الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص2072
الشافعية – قالوا: يجب أن يقتص المستحق على الفور، إن طلب ذلك في النفس جزماً، ويقتص من الجاني فيما دون النفس في الحال، اعتباراً بالقصاص في النفس، لأن الموجب قد تحقق فلا يعطل، ولأن القصاص موجب الإتلاف فيتعجل، كقيم المتلفات، والتأخير أولى لاحتمال العفو، ويجوز للمجني عليه أن يقطع الأطراف متوالية، ولو فرقت من الجاني، لأنها حقوق واجبه في الحال.
تأخير قصاص الحامل
واتفق الأئمة: على أن المرأة الحامل إذا وجب عليها القصاص في النفس أو الأطراف، إذا طلب المجني عليه حبسها، فإنها تحبس حتى تضع حملها، ويؤخر عنها القصاص في النفس والأطراف حتى تضع وترضع وليدها وينقضي النفاس، ويستغني عنها ولدها بغيرها من امرأة أخرى، أو بهيمة يحل لبنها، أو فطام حولين، إذا فقد ما يستغني الولد به، وذلك في قصاص النفس. لأنه اجتمع فيها حقان، حق الجنين وحق الولي في التعجيل، ومع الصبر يحصل استيفاء الجنين، فهو أولى من تفويت أحدهما.
أما في قصاص الطرف أو حد القذف، فيؤجل لأن في استيفائه قد يحصل إجهاض الجنين، وهو متلف له غالباً، وهو بريء، فلا يهلك بجريمة غيره، ولا فرق بين أن يكون الجنين من حلال، أو جرام، ولا بين أن يحدث بعد وجوب العقوبة، أو قبلها، حتى أن المرتدة لو حملت من الزنا بعد الردة، لا تقتل حتى تضع حملها، وأما تأخيرها لارضاع اللبأ (هو اللبن الرقيق الذي ينزل من المرأة في الأيام الأولى من الولادة) فلأن الولد لا يعيش إلا به محققاً، أو غالباً مع أن التأخير يسير، وأما تأخيرها للاستغناء بغيرها، فلأ جل حياة الولد أيضاً، فلأنه إذا وجب التأخير لوضعه فوجوبه بعد وجوده وتيقن حياته أولى، ويسن صبر الولي بالاستيفاء بعد وجود مرضعات يتناوبنه، أو لبن شاة، أو نحوه، حتى توجد امرأة فاضلة مرضعة لئلا يفسد خلقه نشؤه بالألبان المختلفة، ولبن البهيمة، وتجبر المرضعة بالأجرة، فلو وجد مراضع وامتنعن أجبر الحاكم من يرى منهن بالأجرة.