الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص2045
-أما الجناية على الأطراف من يد، أو عين، أو سن، فقد جعلت الشريعة الإسلامية، عقوبتها القصاص أيضاً، بمعنى أنه يفعل بالجاني مثل ما فعل جزاء وفاقاً، ولكن يشترط المماثلة بين العضوين، فلا تفقأ عين عوراء، في نظير عين سليمة، ولا يقطع لسان أخرس، في لسان متكلم، ولا تقطع يد عاطلة بيد عاملة، ونحو ذلك مما هومبين في محله(1) وهذا هو العدل المطلق، فإن الذي يعتدي على إتلاف عضو إنسان لا جزاء له إلا أن يتلف منه ذلك العضو، كما قال تعالى: وجزاء سيئة سيئة مثلها
آية [40 من سورة الشورى].
والجواب: أن في هذا القصاص تقليلاً لأرباب العاهات – لا تكثيراً – بل في القصاص قضاء على الجريمة، من أصلها، كما قال تعالى: ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون
آية [179 من سورة البقرة].
لأن الذي يوقن بالجزاء المماثل، ويعلم أنه إذا اعتدى على عضو من أعضاء بدن غيره قطع مثله منه، فإنه يحجم عن ارتكاب الجريمة بتاتاً، وبذلك يرتفع العدوان، فلا يوجد ذو عاهة أصلاً، لا معتد، ولا معتدى عليه.
أما الذي يعلم أن نتيجة عدوانه عقوبة بالسجن القليل، فإنه لا يبالي بتكرار فعله مع كثيرين، فيزيد أرباب العاهات والمجرمون معاً، على أن السجن إذا طال أمده فإنه يكون من شر الآفات التي تقضي على حياة المجرم، فإنه يصبح عاطلاً مستهتراً بالجرائم، كما هو مشاهد في كثير من متعودي الإجرام والسجون فمتى أمكن القصاص بالتساوي بين العضوين، كان من العدل أن يقتص من الجاني بمثل جنايته، وإن لم يمكن كان للحاكم أن يعزره بما يراه زاجراً له عن العودة، ورادعاً للأشرار عن ارتكاب الجرائم. على أنك قد عرفت أن القصاص في نظر الشريعة الإسلامية حق المعتدى عليه، فله أن يصطلح مع خصمه على مال أو غيره، أو يعفو عنه.
فإذا رأى الحاكم أن العفو يترتب عليه ضرر بالأمن، فله أن يتخذ الوسائل التي يراها لصيانة الأمن.
– – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – – –