الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص2041
نعم: إن عينا يوماً، في مكانين متاعدين بحيث لا يصل المسافر من أحدهما إلى الآخر في الزمان الذي عيناه، كأن شهد أحدهما بأنه أقر بالقتل بمكة يوم كذا، والآخر أقر، بأنه قتله بمصر في تاريخ ذلك اليوم، فتلغو الشهادة ولا تقبل.
الحنفية رحمهم اللّه تعالى – قالوا: من قتل وله ابنان حاضر وغائب، فأقام الحاضر البينة على القتل، ثم قدم الغائب فإنه يجب عليه أن يعيد البينة عند الإمام أبي حنيفة رحمه اللّه تعالى لأن استيفاء القصاص حق الوارث عنهده، ولأن القصاص طريق الخلافة دون الوراثة ألا ترى أن ملك القصاص يثبت بعد الموت، والميت ليس من أهله، بخلاف الدين، والدية، لأن الميت من أهل الملك في الأموال، كما إذا نصب شبكة في حياته فتعلق بها صيد بعد ممانه فإنه يملكه، وإذا كان طريقه الإثبات ابتداء لا ينتصب أحدهما خصماً عن الباقين، فيعيد البينة بعد حضوره، احتيالاً للدرء.
وقال الصاحبان: إذا حضر الغائب فلا يعيد إقامة البينة، لأن استيفاء القصاص حق المورث، فإن القصاص طريقه طريق الوارثة، كالدين، وهذا لأنه عوض عن نفسه، فيكون الملك فيه لمن له الملك في المعوض، كما في الدية، ولهذا لو انقلب مالاً يكون للميت، ويسقط بعفوه بعد الجرح قبل الموت، فينتصب احد الورثة خصماً عن الباقين، فلا يعيد البينة بعد حضوره. أما إذا كان القتل خطأ، وحضر الغائب فلا يجب عليه إعادة البينة بالاجماع، فإن أقام القاتل البينة أن القائب قد عفا عن القصاص، فالشاهد من اولياء الدم خصم له، ويسقط القصاص، لأنه ادعى على الحاضر سقوط حقه في القصاص، إلى مال، ولا يمكنه إثباته إلا بإثبات العفو من الغئب، فينتصب الحاضر خصماً عن الغائب، وكذلك عبد بين رجلين قتل عمداً، واحد الرجلين غائب فهو على هذا، فإن كان الأولياء ثلاثة، فشهد اثنان منهم على الآخر اه قد فقا، فشهادتهما باطلة، وهو عفو منهما، لانهما يجران بشهادتهما إلى أنفسهما مغنماً، وهو انقلاب القود مالاً، فإن صدقهما القاتل فالدية بينهم أثلاثاً، لأنه لما صدقهما وحده، فقد أقر بثلثي الدية لهما، فصح إقراره إلا أنه يدعي سقوط حق المشهود عليه، وهو ينكر فلا يصدق، ويغرم نصيبه، وأما إن كذبهما القاتل فلا شيء لهما، وللغائب ثلث الدية، لانهما اقرا على أنفسها بسقوط القصاص فقبل، وادعيا انقلاب يصيبهما مالاً، فلا يقبل إلا بحجة، وينقلب نصيب المشهود عليه مالاً، لأن دعواهما العفو عليه، وهو ينكر بمنزلة ابتداء العفو منهما في حق المشهود عليه، لأن سقوط القود مضاف إليهما، وإن صدقهما المشهود عليه وحده غرم القاتل ثلث الدية للغائب المشهود عليه، لإقراره له ذلك.