الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص2036
الحنفية قالوا: إذا قطعت المرأة يد رجل فتزوجها على أرش يده، فإما أن يقتصر القطع، أو يسرين فإن كان الأول صحت التسمية، ويصير الأرش وهو خمسة آلاف درهم مهراً لها بالإجماع، سواء كان القطع عمداً أم خطأ، وسواء تزوجها على القطع فقط أو عليه وعلى ما يحدث منه، لأنه لما برأ تبين أن موجبها الأرش دون القصاص لأنه لا يجري في الأطراف، بين الرجل، والمراة، والأرش يصلح صداقاً، وإن كان الثاني، ومات الرجل بسبب السراية، فإما أن يكون القطع خطأ، أو عمداً فإن كان الأول فله مهر مثلها، والدية على العاقلة، وإن كان الثاني فلها ذلك، والدية في مالها عند أبي حنيفة حمه اللّه، لأن العفو عن اليد، إذا لم يكن عفواً عما يحدث منه عنده فالتزوج على اليد لا يكون تزوجاً على ما يحدث منه، فيكون ما لها من المهر غير ما عليها مما يحدث منه، ثم القطع إذا كان عمداً كان التزوج تزوجاً على القصاص في الطرف، وهو ليس بمال فلا يصلح مهراً، لا سيما على تقدير سقوط القصاص، فإنه إذا لم يصلح مهراً على تقدير ثبوته، لا يصلح على تقدير سقوطه بطريق الأولى، والقصاص يسقط ها هنا، إما بقبولها التزوج، لأن سقوطه متعلق بالقبول، فلما قبلت سقط، وإما بتعذر الاستيفاء، فإنه لما جعل القصاص مهراً جعل لها ولاية الاستيفاء ولا يمكن استيفاء القصاص عن نفسها، وإذا لم يصح القصاص ولا بدله مهراً، يجب مهر المثل وعليها الدية في مالها، لأن التزوج وإن كان يتضمن العفو، فتجب الدية، وتجب في مالها لأنه عمد، وإذا وجب لها مهر المثل وعليها الدية تقطع المقاصة إن كانا على السواء، وإن كان في الدية زيادة ترده على الورثةن وإن كان في المهر فضل يرده الورثة عليها، وإذا كان القطع خطأ يكون هذا تزوجا على أرش اليد، وإذا سرعى إلى النفس تبين أنه لا أرش لليد، وأن المسمى معدوم فيجب مهر المثل، كما إذا تزوجها على ما في اليد، ولا شيء فيها، ولا يتقاصان لأن الدية تجب على العاقلة في الخطأ، والمهر حق لها، ولو تزوجها على اليد وما يحدث منها، أو على الجناية ثم مات من ذلك والقطع عمد، فلها مهر مثلها، لأن هذا تزوج على القصاص وهو لا يصلح مهراً. فيجب مهر المثل، وصار كما إذا تزوجها على خمر، أو خنزير، ولا شيء له عليها، لأنه لما جعل القصاص مهراً فقد رشي بسقوطه بجهة المهر، فيسقط أصلاً، وأن كان القتل خطأ يرفع عن العاقلة مهر المثل من جميع المال، لأنه مريض مرض الموت، والتزوج من الحوائح الأصلية، ولا يصح في حق الزيادة على مهر المثل، لأنه محاباة فيكون وصية، فيرفع عن العاقلة، لانهم يتحملون عنها فمن المحال أن ترجع عليهم بموجب جنايتها.
الشافعية رحمهم اللّه قالوا: لو وجب لرجل قصاص على امرأة، فنكحها على هذا القصاص. بأن جعله صداقاً لها صح النكاح، والصداق، أما النكاح فواضح، لأنه تام بأركانه وشروطه، وأما المهر، فلآنه عوض مقصود، وقيل: لا يصح، ويجب لها مهر مثلها.
وسقط القصاص، لتضمن ذلك العفو، لأنها ملكت قصاص نفسهأ فإن فارقها الرجل قبل الدخول بها، رجع عليها بنصف الأرش لتلك الجناية، لأنه بد ل ما وقع العقد به، كما إذا اصدقها تعليم سورة من القرآن الكريم، فعلمها ثم طلقها قبل الدخول بها، فإنه يرجع بنصف أجرة التعليم.
وفي قول نص عليه في كتاب (الأم) يرجع عليها بنصف مهر مثلها، بناء على القول الثاني. هذا في حالة ما إذا وجب عليها القصاص.
أما إذا اوجبت الجناية مالاً، كالخطأ فنكحها على أرش الجناية التي ارتكبتها، فإن النكاح يصح دون الصداق، للجهل بالدية.
مبحث حكم دم من عليه قصاص
الشافعية، والحنابلة – قالوا: من وجب عليه قصاص فهو معصوم الدم على غير المستحق، كغيره من المسلمين، فإذا اعتدى عليه وقتله غير المستحق اقتص منه، لقوله تعالى في كتابه العزيز ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل
آية [33 من سورة الإسراء] فخص وليه بقتله، فدل على أن غير وليه لا سلطان له عليه، وذلك فيمن لم يتحتم فقله. أما إذا تحتم قتله لقطع طريق، فإن الصحيح أنه يقتل قصاصاً، ولو قتله المستحق لا يقتل له.
والزاني المسلم المحصن، إن قتله ذمي قتل به، لأنه لا تسلطله على المسلم، وإذا كان الذمي يقتل به، فالمرتد والمعاهد والمستأمن بالأولى، وإذا قتله مسلم غير زان محصن، فلا يقتل به في الأصح، لاستيفائه حد اللّه تعالى.
والرأي الثاني، أنه يجب عليه القصاص، لأن الاستيفاء للإمام، فأشبه ما لو قتل من عليه القصاص غير مستحقه، وعلى الأول لا فرق بين أن يقتله قبل أمر الإمام بقتله أم لا، ولا بين أن يثبت زناه بالبينة أم لا، ولا بين أن يكون قبل رجوعه عن الإقرار أم لا.
أما المسلم الزاني المحصنن إذا قتله فإنه يقتل بهن وتارك الصلاة عمداً بعد امر الحاكم بها، حكمه كالزاني المحصن.