الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص2024
آية 4 من سورة قريش فظاهر الآية الكريمة الإخبار عن كون من دخله آمناً، ولكن لا يمكن حمله عليه إذ قد لا يصير آمناً فيقع الخلف في الخبر، فودب حمله على الأمر، أي آمنوا من دخل الحرم وترك العمل به في الجنايات التي دون النفس لأن الضرر فيها أخف من قتل النفس، وفيما إذا وجب على الجاني القصاص لجناية ارتكبها داخل الحرم، فإنه يجوز أن يقتل في الحرم في هذه الحالة، لأنه هو الذي هتك حرمة الحرم، فلا يحترم دمه، أما إذا ارتكب الجناية خارج الحرم ثم التجأ إليه فلا يستوفي فيه بل يجب أن يضيق عليه، فيمنع من الطعام والشراب والكلام والمعاملة، حتى يخرج من لحرم فيستوفى منه القصاص ويقتل أو يموت داخل الحرم بالجوع والصد، وذلك تعظيماً لحرمة البيت الحرام. الحنابلة قالوا: لا يستوفى من الملتجىء إلى الحرم قصاصاً مطلقاً، سواء ارتكب الجناية خارج الحرم والتجأ إليه واحتمى به، أو ارتكب جنايته داخل الحرم واعتصم به، وسواء كان القصاص في النفس أو الأطراف، ولا يضيق عليه، حتى يخرج من الحرم، أو يموت، فإن خرج من الحرم، قتل بذنبه، ونفذ عليه القصاص الواجب عليه، وإلا ترك وشأنه في الحرم. وذلك لنص الآيات الواردة في في تأمين من دخل الحرم قال تعالى: ومن دخله كان آمناً
تأكيداً لفضيلة الحرم، واحتراماً لقدسيته، لشدة حرمة الحرم في الكتاب والسنة الذي هو حضرة اللّه تعالى الخالصة، فيحمل هنا على حال الحاكم الذي غلبت عليه هيبة المولى عز وجل. وهيبة بيته الحرام، فانطوت فيها إقامة حدوده حرمة له، فأخر القصاص مدة عن الجاني حتى يخرج من الحرم.
مبحث ما لا يجب عليه القصاص في العمد
الحنفية قالوا: لا يجب القصاص على المسلم إذا قتل المستأمن لأنه غير محقون الدم على التأبيد، لأن كفره باعث على الحراب، لأنه على قصد الرجوع إلى داره، فكان كالحربي،
ولا يقتل الذمي بالمستأمن، لقيام المبيح، وعدم التكافؤ.
ولا يقتل الرجل بابنه، لقوله صلوات اللّه وسلامه عليه: (لا يقاد الوالد بولده) وهو معلوم بكونه سبباً لإحيائه، فإن المحال أن يتسبب لفنائه، ويلحق بالأب الأم، وكذلك الجد والجدة من قبل الأب، والأم، وإن سفل.
ولا يقتل الرجل بعبده، ولا مدبره، ولا مكاتبه، ولا بعبد ولده، لأنه لا يستوجب لنفسه على نفسه القصاص، ولا يستوجب ولده على أبيه، إذا قتل الأب ولده عبده.
ولا يقتل الرجل بقتل عبد ملك بعضه. بهبة، أو ميراث، أو شراء، لأن القصاص لا يتجزأ.
ومن ورث قصاصاً على أبيه، مثل أن يقتل الرجل أم ابنه الكبير مثلاً، سقط القصاص عن الأب، لحرمة الأبوة.
وإن قتل عبد الرهن في يد المرتهن لم يجب القصاص حتى يجتمع الراهن والمرتهن، لأن المرتهن لا ملك له فلا يليه، والراهن لو تولاه لبطل حق المرتهن في الدين فيجب اجتماعهما، ليسقط حق المرتهن برضاه.
والعبد الذي أعتق بعضه إذا مات ولم يترك وفاء، فلا يجب القصاص على قاتله، لأن ملك المولى لا يعود بموته، ولا ينفسخ بالعجر ما عتق منه.
ومن غرق صبياً، أو بالغاً في البحر فلا قصاص عليه، عن أبي حنيفة، وقال الصاحبان يجب عليه القصاص، ويستوفى منه القصاص بحز رقبته بالسيف.