پایگاه تخصصی فقه هنر

الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص2021

الحنفية قالوا: لا يجوز أن يستوفى القصاص إلا بالسيف خاصة، في جميع الأحوال، سواء كان القتل به أم بغيره، واحتجوا على مذهبهم بما أخرجه البزار، وابن عدي، من حديث أبي بكرة رضي اللّه عنه، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (لا قود إلا بالسيف) وواحتجوا بأن الشارع نهى عن المثلة، وقوله صلى اللّه عليه وسلم: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة).

فقول الرسول صلى اللّه عليه وسلم (لا قود إلا بالسيف) نص على نفي استيفاء القصاص بغيره. ويلحق به ما كان سلاحاً من غير السيف، كالمدفع، والبندقة، وغيرهما، ولأن فيما ذهب الأئمة إليه استيفاء لزيادة، فلم يحصل المقصود بمثل ما فعل الجاني، فيجب التحرز عنه، كما في كسر العظم والجائفة، ولأن الآلة في الاغراق، والخنق، وإلاحراق، غير معدة للقتل، ولا مستعملة فيه لتعذر استعمالها، فتمكنت شبهد عد العمدية، ولأن القصاص مبني على المماثلة، ومنه يقال: اقتص أثره، ولا تماثل بين الجرح والدق، لقصور الثاني عن تخريب الطاهر، وكذا لا يتماثلان في حكمة الزجر، لأن القتل بالسيف غالب، وبالمثقل نادر.

وأما ما رواه الشافعية من قول الرسول صلى اللّه عليه وسلم: (من غرق غرقناه ومن حرق حرقناه، من قتل عبداً قتلناه) فهو غير مرفع لأنه يلزم على قولهم أنه يجوز التحريق بالتحريق، وهو منهي عنه شرعاً، فقد روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (لا تعذبوال احداً بعذاب اللّه) أو أن الحديث محمول على السياسة، حيث اضافه صلى اللّه عليه وسلم إلى نفسه فقال: (غرقنا) ولم يقل صلوات اللّه

وسلامه عليه (حرقوه أو غرقوه) وقد استدل الأحناف بهذا الحديث في وجوب القصاص، ولم يعملوا به، في الاستيفاء لقول صلى اللّه عليه وسلم: (لا قود إلا بالسيف) فهو أقوى من الحديث الثاني عند أهل الحديث وقد ذكر بعده، فنسخ حكمه.

مبحث من قتل ثم لجأ إلى الحرم

الشافعية قالوا: يقتص المستحق على الفور في النفس، وكذلك في الأطراف على المذهب لأن القصاص موجب الاتلاف، فيتعجل كقيم المتلفات، والتأخير لاحتمال العفو.

قالوا: ويقتص في الحرم، لأن الحرم لا يمنع من القصاص، كقتل الحية والعقرب داخل الاحرم، وسواء التجأ إليه أم لا، لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم لما دخل مكة عامم الفتح وسمع به عبد اللّه بن خطل التميمي الذي ارتد بعد إسلامه، وكان يهجو النبي صلى اللّه عليه وسلم في شعره ويلقنه لجاريتيه المغنيتين، فتتغنيان به، فخاف من الرسول وتعلق بأستار الكعبة ليستجير بها، وعند طواف النبي صلى اللّه عليه وسلم بها أخبر بحالته، فقال: (اقتلوه) فإن الكعبية لا تعيذ عاصياً، ولا تمنع من إقامة حد واجب فقتل وكذلك الحويرث بن نقيد، فإنه كان يؤذي النبي صلى اللّه عليه وسلم بهجائه، فقتله الإمام على رضي اللّه تبارك وتعالى عنه بمكة المكرمة.