پایگاه تخصصی فقه هنر

الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص2019

الشافعية، والحنابلة في إحدى روايتهم قالوا: يجب أن يقتص من القاتلن على الصفة التي قتل غيره بها، وبآلة تشبه الآلة التي استعملها في مباشرة القتل، حت يتحقق القصاص ويشعر بالألم الذي شعر به القتيل، إن كان قتله بفعل مشروع فإن مات بهذه الوسيلة التي استعملها، وإلا تحز رقبته بالسيف قتلاً، لأن مبنى القصاص لغة وشرعاً على المساواة، وذلك فيما ذكرنا، لأن فيه مساواة في اصل الوصف، والفعل المقصود به، فمن قتل غيره تغريقاُ، قتل تغريقاً بالماء، ومن قتل بضرب حجر قتل بمثل ذلك، إلا أن يطول تعذيبه بذلك فيكون السيف له أروح، فإن قطع يد رجل فمات بسبب السراية فعل به مثل ذلك، ويمهل تلك المدة التي مكثها المقتول، فإن مات، وإلا تحز رقبته بالسيف، وإن كان القتل بشي غير مسموح به شرعاً، كأن أكرهه على شرب الخمر حتى قتله بها، أو لاط بصغيرن فقتله، أو اعتدى على صغيرة وزنى بها فقتلها، فإنه يجب قتله في هذه الحالة بالسيف، لأن المماثلة ممتنعة لتحريم الفعل.

وحجتهم في ذلك قول تعالى: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به

آية 126 من النحل وقوله تعالى: فمن اعتدى عليكم، فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم

آية 194 من البغرة. قال القرطبي: لا خلاف بين العلماء أن هذه الآية أصل في التماثل في القصاص، فمن قتل بشيء قتل بمثل ما قتل به، وهو قول الجمهور، ما لم يقتله بفسق كاللواطة، وإسقاء الخمر. وما روي عن انس بن مالك رضي اللّه تعالى عنه (أن جارية وجد رأسها قد رض بين حجرين، فسألوها: من صنع بك هذا؟ فلان؟ فلان. حتى ذكروا يهودياً، فأومأت برأسها، فأخذ اليهودي، فأقر، فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن ترض رأسه بين حجرين، متفق عليه، واللفظ لمسلم.

فالحديث دليل على أنه يجب القصاص بالمثقل، كالمحدد، وأنه يقتل الرجل بالمرأة، وأن القاتل يقتل بما قتل به، قال تعالى: وجزاء سيئة سيئة مثلها

وبما أخرجه البيهقي من حديث البراء رضي اللّهتعالى عنه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (من غرض غرضنا به، ومن حرق، حرقناه، ومن غرق غرقناه) ومعنى غرض أي اتخذه غرضاً للسهام، ولأن المقصود من القصاص التشفي، وإنما بكمل إذا قتل بمثل ما قتل، وحديث النهي عن المثلة محمول على من وجب قتله، لا على وجه المكافأة.