الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص2017
الحنفية قالوا: لو أمسك رجل برجل، فقتله آخر فإنه يجب القصاص على القاتل دون الممسك، لأنه هو الذي باشر القتل، والممسك لم يباشره فلا قصاص عليه، بل يجب عليه التعزير، فيحبسه الإمام في السجن حتى يموت، فقد روي عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (إذا أمسك الرجل الرجل وقتله الآخر، يقتل الذي قتل، ويحبس الذي أمسك) رواه الدار قطني. الشافعية قالوا: لو أمسك إنسان رجلاً، وقتله رجل آخر غيره فإنه يجب القصاص على القاتل، لأنه مباشر للفعل، ويعزر الذي أمسك القتيل حسب ما يراه الحاكم في طول المدة وقصرها، لأن الغرض تأديبه، وليس بمقصود استمراره للموت، واشترطوا في المسألة، أن يكون القاتل مكلفاً، فلو أمسكه رجل وعرضه لمجنون، أو سبع ضار فافترسه، فالقصاص على الممسك قطعاً في الصورتين، ولو وضع صغيراً على هدف بعد الرمي لا قبله، فاصابه السهم من الرامي، لأنه المباشر للقتل، ويجب القصاص على من أردى آخر في البئر فمات، دون الحافر لأن حفره لا أثر له مع المباشر.
وقد روي عن الإمام علي كرم اللّه وجهه (أنه قضى في رجل قتل رجلاً متعمداً، وأمسكه آخر)، قال: (يقتل القاتل، ويحبس الآخر في السجن حتى يموت) رواه الإمام الشافعي رحمه اللّه.
المالكية قالوا: إذا أمسك رجلا وكان يقصد قتله، فقتله آخر، ولولا الامساك ما قدر القاتل على قتله، فيجب القود عليهما معاً، الممسك لتسببه، والقاتل لمباشرته القتل بنفسه، وهي أن يمسكه لاجل القتل، وأن يعلم أن الطالب قاصد قتله، وأن يكون لولا إمساكه ما أدركه القاتل، فإن أمسكه لاجل أن يضربه ضرباً معتاداً، أو كان لم يعلم أنه يقصد قتله، أو كان قتله لا يتوقف على امساك له، قتل المباشر وحده، وهو القاتل فعلاً وضرب الممسك مائة سوط، وحبس سنة كاملة، تأديباً له وتعزيراً.
الحنابلة قالوا: في احدى روايتهم: يقتل القاتل، ويحبس الممسك حتى يموت في جميع الأحوال وفي الرواية الأخرى قالوا: إنهما يقتلان جميعاً على الاطلاق القاتل لمباشرته القتل بنفسه، والممسك لأنه السبب في القتل، إذ لولا الامساك لما حصل القتل.
مبحث عفو المقتول خطأ عن الدية
المالكية، والحنفية، والشافعية وجمهور فقهاء الأمصار – قالوا: إن عفو المقتول عن ديته ينفذ في الثلث من الدية فقط، إلا أن يجيز الورثة هذا العفو، فتسقط الدية كلها عن القاتل خطأ لانهم تنازلوا عن حقوقهم في إرث المال وحجتهم في ذلك، أن المقتول واهب مالاً له بعد موته لأن الدية لا تجب إلا بعد ازهاق الروح، فتنقل الو الورثة، فلا يجوز العفو إلا في الثلث وأصله حكم الوصية، وهي لاتنفذ إلا في ثلث المال، كما أخبر بذلك الرسول صلى اللّه عليه وسلم فقال: (الثلث، والثلث كثير).
وقال الحسن وطاوس وجماعة من الفقهاء: يجوز أن يعفو القاتل عن الدية في قتل الخطأ، وتسقط عن القاتل وحجتهم في ذلك أن المقتول إذا كان له أن يعفو عن الدم فهو أحرى أن يعفو عن المال، والدية يستحقها المقتول أولاً، ثم تنتقل من بعده إلى الورثة.