الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص2013
والحاصل: أن الاتفاق يوجب قتل الجميع، وإن رقع الضرب من البعض، أو كان الضرب بنحو سوط، وأما تعمد الضربب بلا اتفاق فإنما يوجب قتل الجميع إذا لم تتميز الضربات، اوتميزت وتساوتن أو لم تتساو، ولم يعلم صاحب الأقوى، والأقدام، وعوقب غيره، وهذا الحكم إذا وقع المضروب ميتاً في جميع هذه الحالات، أو وقع منفوذ المقاتل، أو مغموراً فاقد الشعور حتى مات، وإلا فتجب فيه القصامة، ولا يقتل بها إلا واحد فقط، واللّه أعلم.
مبحث إذا قتل الواحد جماعة
الحنفية، والمالكية قالوا: إذا قتل الرجل الواحد جماعة، من المسلمين الحرار، مرة واحدة أو متعقبين، فليس عليه إلا القود، ولا يجب عليه شيء آخر بعد ذلك وإذا حضر أولياء المقتولين قتل لجماعتهم، ولا شيء لهم غير ذلك، فإن حضر واحد منهم إلى الحاكم قتل له، وسقط حق الباقين، لفوات محل الاستيفاء، ولأن كل واحد منهم قاتل بوصفالكمال في اعتبار الشرع تحقيقاً للمماثلة المعتبرة في القصاص، فجاء التماثل، اصله الفصل الأول، إذ لو لم يكن كذلك لما وجب القصاص، ولأنه وجد من كل واحد منهم جرح نافذ صالح للإزهاق، فيصاف إلى كل واحد منهم، إذ هو لا يتجزأ، والحكم حصل عقب علل لابد من الإضافة إليها، فإما إن يضاف إليها توزيعاً أو كملاً، والأول باطل لعدم التجزي، فتعين الثاني، ولهذا إذا حلف جماعة كل منهم أن لا يقتل فلاناً، فاجتمعوا على قتله حنثوا.
ولأن القصاص شرع مع المنافي، وهو قوله صلى اللّه عليه وسلم (الآدمي بنيان الرب، ملعون من هدم بنيان الرب) وتحقيق الاحياء قد حصل بقتل القاتل، فاكتفى به، ولا شيء لهم غير ذلك.
الشافعية قالوا: إن قتل الرجل جماعة من المسلمين المعصومة دماؤهم، قتل بالأول منهم ويجب للباقين الديات من الموال، وإن قتلهم في حالة واحدة، كان هدم عليهم حائطاً وهم نيام فتلهم في وقت واحد، يقرع بين أولياء المقتولين، فمن خرجت قرعتع قتل له، وثبت للباقين الديات لا غير.
وقيل: قتل لهم، وقسمتم الديات بينهم، لتعذر القصاص عليهم، كما لو مات الجاني، فإن اتسعت التركة لجميعهم فذاك، وإلا قسمت التركة بين الجميع بحسب استحقاقهم في الديات، وذلك لأن الموجود من الواحد قتلات عدة، والذي تحقق في حقه قتل واحد فلا تماثل فيه، وهو القياس في الفصل الأول، إلا أنه عرف بالشرع، ولأن الدين شرع المماثلة في القصاص، لئلا يلزم الظلم على المعتدي على تقدير الزيادة، ولئلا يلزم البخص لحق المعتدى عليه، على تقدير النقصان، ولا شك أن الظلم والبخس إنما يندفعان بتحقق المماثلة، فلو قتله غير الأول من المستحقين، أو غير من خرجت القرعة له منهم عصى، لأنه قتل نفساً منع من قتلها.