الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص2012
فقد روي (أن امرأة بصنعاء غاب زوجها، وترك في حجرها ابناً له من غيرها، غلاماً يقال له أصيل فاتخذت المرأة بعد زوجها خليلاً، فقالت له: إن هذا الغلام يفضحنا فاقتله فأبى، فامتنعت منه فطاوعها، فاجتمع على قتل الغلام الرجل ورجل آخر، والمراة، وخادمها فقتلوه، ثم قطعوا أعضاءه وجعلوه فيعيبة، وطرحوه في ركية، في ناحية العزبة، ليس فيها ماء).
وذكر القصة وفيها، فأخذ خليلها فاعترف، ثم اعترف الباقون، فكتب علي وهو يومئذ أمير على اليمن شأنهم إلى عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه، فكتب عمر بقتلهم جميعاً، وقال: (واللّه لو أن أهل صنعاء اشتركوا في قتله، لقتلتهم أجمعين) وفي هذا دليل على أن رأي سيدنا عمر رضي اللّه عنه قتل الجماعة بالواحد، ووافقه الصحابة رضوان اللّه عليهم من غير مخالف منهم، وفي ذلك إجماع من الأمة على هذا الحكم.
ولأن القتل بطريق التغالب فساد غالب، وكل فساد غالب يحتاج إلى مزجرة للسفهاء،
فالقتل بطريق التغلب يحتاج إلى حكم زاجر، والحكم الزاجر في القتل العمد هو القصاص، فهو مزجرة للسفهاء، فيجب تحقيقاً لحكمة الأحياء.
قال صحاب النهاية: وهذا جواب الاستحسان، وفي القياس لا يلزمهم القصاص، لأن المعتبر في القصاص إنما هو المساواة، لما في الزيادة من الظلم على المعتدي، وفي النقصان، من البخس بحق المعتدي عليه، ولا مساواة بين العشرة والاحد، هذا شيء يعلم ببداهة العقل، فالواحد من العشرة يكون مثلاً للواحد فكيف تكون العشرة مثلاً للواحد؟ وايد هذا القياس قوله تعالى: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس
وذلك ينفي مقابلة النفوس بنفس، ولكن تركنا هذا المقياس. لما روي أن
سبعة من اهل صنعاء قتلوا رجلاً، فقضى عمر رضي اللّه عنه بالقصاص عليهم، وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به اهـ.
المالكية قالوا: يقتل الجمع كثلاثة فأكثر بواحد، إن تعمدوا الضرب له وضربوه، ولم تتميز ضربة كل واحد منهم، وسواء كان الموت ينشأ عن كل واحدة أو عن بعضهها، واذ انفذ احد الضاربين مقاتله، ولم يدر من أي الضربات فإنه يسقط القصاص، وتجب الدية في أموالهم إذا لم يتمالؤوا على قتله، وكذلك يقتل الجميع إذا تساوت الضربات، وإن تميزت الضربات، كان بعضها أقوى شأنه إزهاق الروح، قدم الأقوى ضرباً في القتل دون غيره إن علم الضارب وإن لم علم الجميعن وإن قصد الجميع قتله وضربه وحضروا، وإن لم يباشره إلا احدهم، بحيث إذا لم يباشره هذا لم يتركه الآخر، سواء حصل القتل بآلة يقتل بها عادة.