الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص2008
المالكية قالوا: من ضرب آخر لقصد التأديب الجائز شرعاً، كالسلطان مثلاً، إذا ضرب إنساناً لارتكاب جريمة لا توجب الحد، أو أراد أن يعزره مثلاً، أو يجله في حد من الحدود، فمات بذلك السبب. أو قطع يد سارق، فسرع القطع إلى جسده فمات. فإن دمه يكون هدراً، ولا ضمان على الحاكم ولا في بيت آلما، لأنه فعل شيئاً آمره به الشرع، ونفذ حكماً طالبه به الإسلام، ولم يقصد بفعله القتل، ولا الانتقام، وكذلك الأب، أو آلم إذا ضرب أحدهما ولده بقصد التأديب، فمات، لا شيء عليهما، والمعلم، صنعة، أو علماً، أو قرآناً، إذا ضرب الذي يتعلم منه بقصد الحمل على التعليم، والاستفادة منه، فمات، بسبب هذا الضرب الذي يتعلم منه بقصد الحمل على ضرب الزوجة بقصد التربية، والنهي عن المنكر، والحث على الاستقامة، فماتت بسبب ضربه، لا شيء عليه، لأن الشرع وضع الزوجة أمانة في عنقه، يربيها، ويهذبها، ويكسوها، ويطعماه، أباح له الضرب إذا خرجت عن طاعته، أو خاف نشوزها قال تعالى: واللاتي تخافون نشوزهن، فعظوهن، واهجروهن في المضاجع، واضربوهن
الآية.
الشافعية، والحنابلة قالوا: إن الشرع قد أباح للأبوين أن يضربا أولادهما للتأديب، و لأمرهما بالمعروف، و نهيهما عن المنكر، و كذلك أباح للزوج أن يضرب زوجته، لحفظ عرضها. وللمعلم أن يضرب من يتعلم منه. وللقاضي أن يضرب من ينحرف من المسلمين، أو يخرج عن طاعته، فلو مات شخص بسبب ضرب واحد من المذكورين، وكان ضربه ضرباً لا يهلك عادة، فإنه لا ضمان عليه، لأنه لم يقصد القتل ولم يفعل إلا بقصد المصلحة للمضروب، وأدى ما أمره به الشارع الحكيم.
قالوا: ولو ضرب واحد من هؤلاء مريضاً ضرباً لا يقتل الصحيح، وهو جاهل بالمرض لا يجب عليه القصاص، لأن ما أتى به ليس بمهلك عنده.
وقيل: يجب عليه القصاص، لأن جهله لا يبيح له الضرب القاتل، أما إذا ضربه و كان عالماً بمرضه، فإنه يجب عليه القصاص جزماً من غير خلاف منهم، لأنه تبين أنه يقصد إهلاكه بالضرب.
الحنفية قالوا: أن الواجبات لا تتقيد بوصف السلامة، فإذا ضرب الأب ابنه، أو ضرب المعلم الصبي بإذن الأب، فمات الصبي فلا قصاص عليه، بل يجب على الأب، أو المعلم الدية في مالهن في حالة القتل، ولا يرث الأب منها لأنه محروم من ميراثه.
مبحث إذا اشترك في القتل من يقام عليه الحد مع غيره.
المالكية قالوا: إذا شارك بالغ عاقل مسلم، صبياً في قتل رجل معصوم الدم على التأبيد فإنه يجب قتل الكبير دون الصبي، إن تمالأ معاً على قتله ويجب على عاقلة الصبي نصف الدية. لأن عمده كخطىء فإن لم يتمالآ على قتله، وتعمداه، أو الكبير فقط، فعليه نصف الدية، وعلى عاقلة الصغير نصفها، هذا ما لم يدع أولياء المقتول أنه مات من فعل المكلف فقط، فانهم يقسمون عليه، ويقتلونه قصاصاً، ويسقط نصف الدية عن عاقلة الصبي، لأن القسامة إنما يقتل بها ويستحق بها واحد، وإن قتلاه، أو الكبير خطأ، فعلى عاقلة كل نصف الدية.
قالوا: ولا يقتل شريك مخطىء ولا شريك مجنون، بل يجب عليه نصف الدية في ماله خاصة، وعلى عاقلة المخطئ أو المجنون نصفها، هذا أن تعمد وإلا فالنصف على عاقلته أيضاً، وإنما كان على عاقلة الصبي نصف الدية في عمده وخطئه، لأن عمده في نظر الشرع كخطئه.