الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص2004
الحنفية قالوا: لا قصاص بين الرجل والمرأة، فيما دون النفس، ولا بين الحر والعبد، ولا بين العبيد، لأن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال، فينعدم التماثل بالتفاوت في القيمة، والتفاوت معلوم قطعاً بتقويم الشرع، فإن الشرع قوم اليد الواحدة للحر بخمسمائة دينار قطعاً ويقيناً، ولا بتلغ يد العبد إلى ذلك، فإن بلغت كانت بالحرز والطن، فلا تكون مساوية ليد الحر يقيناً، فإذا كان التفاوت معلوماً قطعاً أمكن لنا اعتباره بخلاف التفاوت في البطش، لأنه لا ضابط له فاعتبر أصله.
وقد سلكنا بالأطراف مسلك الأموال، لانها خلقت وقاية للأنفس كالمال، فاواجب أن يعتر التفاوت المالي مانعاً مطلقاً.
والآية الكريمة، وإن كانت عامة في جميع الأطراف من غير تفاوت، لكن قد خص منها الحربي والمستأمن والنص العام إذا خص منه شيء يجوز تخصيصه بخبر الواحد، فخصصوه بما روي عن عمران بن حصين أنه قال: قطع عبد، لقوم فقراء، أذن عبيد لقوم أغنياء، فاختصموا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلم يقض بالقصاص).
وقيل: إن الآية المذكورة آية القصاص، يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر، والعبد بالعبد
والقصاص ينبىء عن المماثلة، فالمراد بما في الآية المذكورة، ما يمكن فيه المماثلة، لا غير اهـ.
مبحث قتل المكره
الشافعية قالوا: لو أكره إنسان شخصاً آخر على قتل شخص بغير حق فقتله، فيجب القصاص على المكره بالكسر لأنه أهلكه بما يقصد به الإهلاك غالباً، فأشبه بما لو رماه بسهم فقتله، وكذا يجب القصاص على المكره بفتح الراء في الأظهر لأنه قتله عمداً، عدواناً وظلماً، لا ستبقاء نفسه، فأشبه ما لو قتله المضطر ليأكله، بل أولى، لأن المضطر علىم يقين من التلف، إن لم يأكل، بخلاف المكره بالفتح.
وقيل: القصاص على المكره بالكسر، أما المكره بالفتح فلا قصاص عليه لقول الرسول صلى اللّه عليه وسلم (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه) ولأنه كالآلة في يد المكره، فصار كما لو ضربه به، أو مثل الذي يسقط من علو، أو الذي تحمله الريح من موضع إلى موضع فقتل غيره.
وقيل: لا قصاص على المكره بالكسر، بل القصاص واجب على المكره بالفتح لأنه مباشر للقتل، والمباشرة مققدمة، على غيرها، ولأنه يشبه من جهة المختار في فعله، ومن جهة المضطر المغلوب، وغلإكراه لا يتم إلا بالتخويف بالقتل، أو بإتلاف ما يخاف عليه التلف من الأعضاء، كالقطع والضرب الشديد، وقيل: يحصل الإكراه بما يحصل به الإكراه على الطلاق من أنواع التهديدات.
ولو قال له: اقتل هذا وإلا قتلت ولدك. وكان في مقدوره أن يقتل ولده، فليس بإكراه، وقال الروياني: الصحيح عندي أنه إكراه، لأن ولده كنفسه في الغالب، فما أصابه من الضرر، كأنما أصاب نفسه، بل بعض النفوس عندها، الولد أغلى من النفس، وهذا هو الظاهر.