الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص2002
ولأن القصاص يعتمد المساواة في العصمة، وهي ثابتة، نظراً إلى التكليف أو الدرا، ولأن المبيح للدم إنما هو كفر المحارب، قال تعالى: قاتلوا الذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم اللّه ورسوله، ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب، حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون
آية 29 من التوبة.
ولأن قتل الذمي بالذمي، دليل على أن كفر الذمي لا يورث الشبهة، إذ لو أورثها لما جرى القصاص بينهما، كما لا يجري بين الحربيين، ولأن الأسلام أعلى من حرية الذمي والأعلى لا يقتل بالأدنى، ولا يقتل المسلم بالمستأمن، لأنه غير محقون الدم على التأبيد، وكذلك كفره باعث على الحرب لأنه على قصد الرجوع إلى داره، فصار كالحربي، ولا يقتل الذمي بالمستأمن، ويقتل المستأمن بالمستأمن، ويقتل الرجل بالمرأة، والكبير بالصغير، والصحيح بالعمى والزمن، وبناقص الطراف وبالمجنون، للآيات الدالة بعمومها على وجوب القصاص، ولأن في اعتبار التفاوت فيما وراء العصمة، امتنعاع القصاص، وظهر التقاتل، والتفاني بين أفراد المجتمع.
مبحث قتل الحر بالعبد
الحنفية قالوا: يقتل الحر بالحر، والحر بالعبدن لعموم الآيات الواردة في القصاص، ولآن القصاص يعتمد المساواة في العصمة، وهي بالدين، أو بالدار، والعبد والحر يستويان فيهما، فيجري القصاص بينهما، وحقيقة الكفر لا تمنع ممن جريان القصاص، لأنه لو صلح لما جرى بين العبدين، كما لا يجري بين المستأمنين وليس كذلك، ونص الآية فيه تخصيص بالذكر، وهو لا ينفي ما عداه، كما في قوله تعالى والأنثى بالأنثى
فإنه لا ينفي أن يقتل الأنثى بالذكر، ولا العكس بالإجماع، وفائدة التخصيص الرد على من اراد قتل غير القاتل، أو الاسراف ف القصاص، كأن يقتل العشرة بالواحد.وإذا قتل الحر العبد، فإن أراد سيد العبد قتل القاتل، وأعطى دية الحر إلا قيمة العبد وإن شاء استحيا، واخذ قيمة العبد، هذا مذكور عن الإمام علي، والحسن.
واحتجوا على مذهبهم بما روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم: (المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم).
وما روي عن سمرة رضي اللّه تعالى عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (من قتل عبده قتلناه، ومن جدع عبده جدعنا) رواه أحمد والاربعة، وحسنه الترمذي، وهو من رواية الحسن البصري.فالحديث دليل على أن الحر يقاد بالعبد في النفس والكراف، والجدع قطع الأنف، واو الأذن، أو اليد، أو الشفة في القاموس.
ومن طريق المعنى قالوا: ولما كان قتل العبد محرماً كقتل الحر، وجب أن يكون القصاص فيه كالقصاص في الحر، وقال النخعي وجماعة: يقتل الحر بالعبد سواء كان عبد القاتل، أو عبد غير القاتل، واحتجوا، على هذا بعموم قوله تعالى وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس
وهو ضعيف.