الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص1999
قالوا: ومن غرق صبياً، أو بالغاً في البحر فلا قصاص عليه لقول الرسول صلى اللّه عليه وسلم: (إلا أن قتيل خطأ العمد قتيل السوط، والعصا) وفيه، وفي كل خطأ أرش، ولأن الآلة غير مستعملة في القتل، ولا معدة له لتعذر استعماله، فتمكنت شبهة عدم العمدية، ولأن القصاص ينبىء عن المماثلة، ومنه يقال: اقتص أثره.
أما إذا بالنار حتى مات، فيجب فيه القصاص بالسيف، وكذلك الضرب بحديدة مدببة، أو خشبة محددة: أو حجر محدد، فإنه يجب فيه القصاص بالسيف، لأنه عمد.
قالوا: من شج نفسه، وشجه رجل، وعقره أسد، وأصابته حية، فمات من ذلك كله، فإنه يجب على الجنبي ثاث الدية، لأن فعل الأسد والحية جنس واحد لكونه هدر في الدنيا والآخرة، وفعله بنفسه هدر في الدنيا، معتر في الآخرة حتى يأثم عليه، فعند أبي حنيفة ومحمد يغسل ويصلى عليه، وعند أبي يوسف يغسل، ولا يصلى عليه، لأنه تعدى على نفسه بشجها، وفعل الأجنبي معتبر في الدنيا والآخرة، فصارت ثلاثة أجناس، فكأن النفس تلفت بثلاثة أفعال، فيكون الثالث بفعل كل واحد ثلثه، فيجب عليه ثلث الدية.
مبحث من مات متاثرا بجراحه
اتفق الأئمة: على أن من جرح رجلاً عمداً، فلم يزل صاحب الجرح ملازماً لفراشه حتى مات من أثر الجراح، فإنه يجب عليه القصاص، لوجود السبب، وهو سفك دم محقون على التأبيد عمداً، وعدم وجود ما يبطل حكمه من عفو، أو شبهة تدرأه، فأضيف إليه.
واتفقوا: على أنه إذا تكافأت الدماء، أن ينفذ القصاص في القتل العمد، فيقتل الحر بالحر، والعبد بالعبد، والأنثى بالأنثى، والرجل بالرجل، والذمي بالذمي، والمستأمن بالمستأمن.
ولوقوله تعالى: كتب عليكم القصاص في القتلى، الحر بالحر، والعبد بالعبد، والأنثى بالأنثى
فقد جاءت الآية الكريمة مبينة لحكم النوع إذا قتل نوعه، ولم تتعرض لاحد النوعين إذا قبل الآخر، فالآية محكمة، وفيها إجمال بينه قوله تعالى: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس
.
وبينه النبي صلى اللّه عليه وسلم حين قتل الرجل اليهودي بالمراة، في المدينة، وحين أمر بقتل المرأة اليهودية التي وضعت السم في الطعام في غزوة خيبر فمات بسببه صحابي من أصحابه رضوان اللّه عليهم.
مبحث قتل المؤمن بالكافر
المالكية قالوا: يقتل الأدنى صفة بالأعلى، كذمي قتل مسلماً، أو كحر كتابي يقتل بعبد مسلم، لأن الإسلام أعلى من الحرية.