الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص1998
ومن شهر على غيره سلاحاً في المصر، فضربه ثم قتله الآخر، فعلى القاتل القصاص لأنه ضربه فانصرف عنه، لأنه خرج من أن يكون محارباً بالانصراف، فعادت عصمته إليه، ومن دخل عليه غيره ليلاً، واخرج السرقة، فاتبعه صاحب الدار، وقتله ليخلص المتاع فلا شيء عليه، ودمه هدر، لقول صلى اللّه عليه وسلم: (قاتل دون مالك) ولأنه يباح له القتل دفاعاً للابتداء، فكذا استرداداً في الانتهاء، وذلك إذا كان لا يتمكن من استرداد ماله، إلا بالقتل.
ومن حفر بئراً في طريق المسلمين، أو وضع حجراً فتلف بذلك إنسان، فديته على عاقلته، وإن تلف به بهيمة، فضمانه في مالهن لأنه متعد فيه فيضمن ما يتولد منه، غير أن العاقلة تتحمل النفس دون المال، فكان ضمان البهيمة في ماله خاصة، وإلقاء التراب، واتخاذ الطين في الطريق بمنزلة إلقاء الحجر، والخشبة.
وإذا كنس الطريق أو رشها، فعطب احد بموضع كنسه أو رشه لا ضمان عليه، لأنه ليس بمتعد فإنه ما أحدث شيئاً فيه، وإنما قصد رفع الأذى عن الطريقن حتى لو جمع الكناسة في الطريق، وتعلق بها إنسان فإنه يضمن دينه، لتعديه بشغله الطريق بالكناسة.
ولو وضع حجراً، فنحاه غيره عن موضعه، فعطب به إنسان، فالضمان على لاذي نحاه، لأن حكم فعله قد انتسخ، والبالوعة يحفرها الرجل في الطريق، فإن امره السلطان بذلك، أو آخرجه عليه لم يضمن ما تلف به، لأنه غير متعد حيث فعل ذلك بأمر من له الولاية في حقوق العامة. وإن كان حفر البالوعة، أو رفع غطاءها بغير امره فهو متعد، فيضم ما تلف به، إما بالتصرف في حق غيره، أو بالافتيات على رأي الإمام، أو هو مباح مقيد بشرط السلامة، وكذا كل ما فعل في طريق العامة، وإذا فر البئر في ملكه فلا يضمن لأنه غير متعد، وكذا إذا حفرها في فناء جارهن لأن له ذلك لمصلحة داره والفناء في تصرفه، ولو حفرها في الطريق ومات الواقع فيها جوعاً، أو غماً، لا ضمان على الحافر، لأنه مات لمعنى في نفسه، فلا يضاف إلى الحفر، والضمان إنما يجب إذا مات من الوقوع.
وقال أبو يوسف رحمه اللّه: إن مات جوعاً فكذلك، وإن ماتغماً فاحافر ضامن له، لأنه لا سبب للغم سوى الوقوع، أما الجوع فلا يختص بالبئر.
وقال محمد: هو ضامن في الوجوه كلها، لأنه إنما حدث بسبب الوقوع إذ لولاه لكان الطعام قريباً منه، وإن استأجر أجراء فحفروها له في غير ملكه، فذلك على المستأجر فقط وإن علموا ذلك، فالضمان على الاجراء، لأنه لا يصح امره بما ليس بمملوك له، ولا غرس.