الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص1989
وروي عن عدي بن ثابت: أن رجلاً اهتم فمه رجل على عهد معاوية رضي اللّه عنه، فأعطي دية، فأبى إلا أن يقتص، فأعطي ديتين فأبى فأعطي ثلاثة، فأبى، فحدث رجل من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (من تصدق بدم فما دونه، فهو كفارة له، من يوم أن ولد، إلى يوم يموت) والأحاديث في ذلك كثيرة.
الحنفية قالوا: من قطع يد رجل عفا المقطوعة يده عن القطع. ثم مات بعد ذلك، فعلى القاطع الدية في ماله، وإن عفا عن القطع وما يحدث منه، ثم مات من ذلك فهو عفو عن النفس، ثم إن كان خطأ فهو من الثلث، وإن كان عمداً فهو من جميع المال.
لأن العفو عن القطع والشجة والجراحة ليس لعفو عما يحدث منه، فإذا وقع شيء من ذلك وعفا المجني عليه عنه بعد الجرح، ثم سرى ومات بسببه، فعلى الجاني الدية في ماله خاصة. لأن سبب الضمان قد تحقق وهو قتل نفس معصومة مقومة، والعفو لم يتناوله بصريحه، لأنه عفا عن القطع، وهو غير القتل لا محالة، وبالسراية تبين أن الواقع قتل، لا قطع وحقه فيه، فما هو حقه لم يفع عنه، وما عفا عنه فليس بحقه، فلا يكون معتبراص، ألا ترى أن الولي لو قال بعد السراية: عفوتك عن اليدن لم يكن عفواً، ولو قال المجني عليه: عفوتك عن القتل، وأقتصد القطع لم يكن عفواً، فكذا إذا عفا عن اليد ثم سرى القطع، وإذا لم يكن معتبراً وجب الضمان.
والقياس يقتضي القصاص لأنه هو الموجب للعمد، إلا أنا تركناه لأن صورة العفو اورثت شبهة، وهي دارئة للقود، فتجب الدية في ماله.
وقال الصاحبان رحمهما اللّه تعالى: من قطع يد رجل فعفا المقطوعة يده عن القطع، ثم مات من ذلك القطع بسبب السراية، فهو عفو عن النفس أيضاًن فلا شيء على القاطع، لأن العفو عن القطع عفو عن موجبه، لأن الفعل عرض لا يبقى، فلا يتصور العفو عنه، فيكون العفو عنه عفواً عن موجبه، وموجبه أما القطع إذا اقتصر، ولم يسر، وإما القتل، إن سرى القطع ومات بسببه، فكان العفو، عفواً عنهما جميعاص، ولأن اسم القطع يتناول الساري والمقتصر فإن الاذن بالقطع به، وبما حدث منه، حتى إذا قال شخص لآخر: اقطع يدي فقطعه، ثم سرى إلى النفس، فإنه لم يضمن، والعفو إذن انتهاء، فيعتبر بإذن ابتداء، فصار كما إذا عفا عن الجناية، فإنه يتناول الجناية السارية، والمقتصرة.