پایگاه تخصصی فقه هنر

الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص1974

ومعنى هذه الصيغة أن هذا جزاؤه أن جوزي عليه، وكذا كل وعيد على ذنب، لكن قد يكون ذلك معارض من أعمال صالحة، تمنع وصول ذلك الجزاء إليه، وبتقدير دخول القاتل النار إن مات ولم يتب، ولم تكن له أعمال صالحة، فعلى قول ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه لا توبة له. أي لا يقبل اللّه توبته، وأما على قول جمهور العلماء، حيث لا عمل له صالحاً ينجو به، فليس بمخلد فيها ابداً، بل المراد بالخلود المذكور في الآية الكريمة، هو المكث الطويل، وقد تواترت الأحاديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (أنه يخرج من النار من كان في قلبه أدنى مثال ذرة من إيمان) وأما حديث معاوية (كل ذنب عسى اللّه أن يغفر إلا الرجل يموت كافراً، أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً) فعسى للترجي، فإذا انتفى الترجي في هاتين الصورتين انتفى وقوع ذلك في أحدهما وهو القتل، لما ذكرنا من الأدلة، وأما من مات وهو كافر، فالنص أن اللّه تعالى لا يغفر له البتة، وأما مطالبة المقتول القاتل يوم القيامة، فإنه حق من حقوق الآدميين، وهي لا تسقط بالتوبة، ولكن لا بد من رده إليهم، ولا فرق بين المقتول والمسروق منه، والمغصوب منه، والمقذوف، وسائر حقوق الآدميين، فإن الإجماع منعقد على أنها لا تسقط بالتوبة، ولكنه لا بد من ردها إليهم في صحة التوبة. فإن تعذر ذلك فلا بد من المطالبة يوم القيامة، لكن لا يلزم من وقوع المطالبة وقوع المجازاة، إذ قد يكون للقاتل أعمال صالحة تنقل إلى المقتول أو بعضهان ثم يفضل له أجر يدخل به الجنة، أو يعض اللّه المقتول بما شاء من فضله من قصور الجنة ونعيمها، ورفع درجته فيها، ونحو ذلك حتى يرضى عن القاتل وقيل: إن الخلود في النار يحمل على أنه جزاء القتل العمد بطريق الاستحلال والعياذ بالله، وهو مستلزم للردة، وقيل يؤول الخلود في الآية على أنه لو عامله بعدله، أو على معنى تطويل المدة مجازاً، فالمراد به المكث الطويل والله أعلم.

توبة القاتل

ذهبت طائفة من علماء السلف إلى أنه لا توبة للقاتل منهم عبد اللّه بن عباس، وزيد بن ثابت وأبو هريرة، وعبد اللّه بن عمر، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبيد بن عمير، والحسن البصري، وقتادة، والضحالك بن مزاحم رضي اللّه عنهم. نقله ابن أبي حاتم.

حدثنا ابن حميد، وابن وكيع، قالا: حدّثنا جرير عن يحيى الجابري، عن سالم بن أبي الجعد قال: كنا عند ابن عباس بعد ما كف بصره، فأتاه رجل فناداه: يا عبد اللّه بن عباس، ماترى في رجل قتل مؤمناً متعمداً؟ فقال جزاؤه جهنم خالداً فيها، وغضب اللّه عليه ولعنه، واحد له عذاباً عظيماً. قال: أفرأيت إن تابن وعمل صالحاً ثم اهتدى؟ قال ابن عباس: ثكلته أمه قاتل مؤمن متعمداً جاء يوم القيامة أخذه بيمنه أو بشماله، تشجب اوداجه من قبل عرش الرحمن، يلزم قاتله بشماله، وبيده الأخرى رأسه يقول: يارب سل هذا فيم قتلني، وأيم الذي نفس بيده لقد أنزلت هذه الآية فما نسختها من آية حتى قبض نبيكم صلى اللّه عليه وسلم، وما نزل بعدها من برهان).

وفي الباب أحاديث كثرة، منه ما رواه الإمام أحمد حدّثنا صقر بن عيسى، حدّثنا ثور بن يزيد، عن أبي عون عن أبي إدريس، قال: سمعت معاوية رضي اللّه عنه يقول: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (كل ذنب عسى اللّه أن يغفره إلا الرجل يموت كافراً، أو الرجل يقتل مؤمناً متعمداً).

وذهب الجمهور من سلف الأمة وخلفها إلى أن القاتل له توبة فيما بينه وبين اللّه عز وجل. فإن تاب، وأتاب، وخشع، وخضع، وعمل عملاً صالحاً، بدل اللّه سيائته حسنات، وعوض المقتول من ظلامته، وأرضاه عن ظلامته، قال تعالى: والذين لا يدعون مع اللّه إلهاً آخر إلى قوله إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً

الآية وهذا خبر لا يجوز نسخه، وحمله على المشركين، وحمل هذه الآية على المؤمنين خلاف الظاهر، وقال تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة اللّه

الآية. وهذا عام في جميع الذنوب، من كفر وشرك، وشك ونفاق، وقتل وفسق وغير ذلك، كل من تاب، أي من أي ذلك تاب اللّه عليهن وقال اللّه تعالى: إن اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء