الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص1972
وقد جعل اللّه تعالى جناية قتل النفس بعد الشرك والعياذ بالله تعالى وقرنه به حتى تدرك النفوس فظاعة هذه الجريمة، وعظم خطرها، وشدة عقابها يوم القيامة، فقال تعالى: والذين لا يدعون مع اللّه إلهاً آخر، ولا يقتلون النفس التي حرم اللّه إلا بالحق، ولا يزنون، ومن يفعل ذلك يلق أثاماً، يضاعف له العذاب يوم القيامة، ويخلد فيه مهاناً
الآية 19 من سورة الفرقان.
وقال تعالى: ولا تقتلوا أنفسكم إن اللّه كان بكم رحيماً، ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً وكان ذلك على اللّه يسيراً
آية 29، 30 من سورة النساء.
وقد جعل اللّه تعالى وزر من قتل نفساً بغير حق حرمها اللّه تعالى، مثل من قتل الناس جميعاً، لأنه لا فرق عنده بين نفس ونفس، ومن حرم قتلها واعتقد ذلك، فكأنما حرم دماء الناس جميعاً، وكأنه أحيا الناس جميعاً، فقد سلم الناس منه بهذا الاعتبارن قال تعالى: من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس، أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعاً. ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً
.
قال قتادة في قوله: من قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعاً
هذا تعظيم لتعاطي القتل. ثم قال: عظيم والله وزرها، وعظيم والله أجرها، وقال الحسن البصري، فكأنما قتل الناس جميعاً، قال: وزراً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً
، قال: أجراً
وقال اللّه تعالى فيما أوصى به نبيه محمداً صلى اللّه عليه وسلم، وفي ذكر الأمور التي حرمها اللّه تعالى على عباده في الأرض، قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئاً، وبالوالدين إحساناً، ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم، ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا تقتلوا النفس التي حرم اللّه إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون
آية 151 من الأنعام. فقد نص اللّه تعالى على النهي عن قتل النفس التي حرمها تأكيداً واهتماماً بشأنها وتعظيماً لحرمتها، وإلا فهو ذكر حرمتها في أول المنهيات. بالنهي عن قتل الأولاد، فهو نهى عن قتل النفس كلها، ثم النهي عن قتل النفس داخل في النهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فكأن اللّه تعالى نهى عن قتل النفس التي حرمها في هذه الآية ثلاث مرات متوالية.