الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص1963
وهو استثناء منقطع، لأن التائبين ليسوا داخلين في الفاسقين، فكأنه قيل: وأولئك هم الفاسقون، لكن الذين تابوا فإن اللّه غفور رحيم، أي يغفر لهم، ويرحمهم، وإذا كان الرد من تمام الحد، لكونه مانعاص، أي زاجراً يبقى بعد التوبة كأصله، أي كأصل الحد، فإنه لا يسقط بالتوبة فإن من تاب بعد ثبوت الحد عليه، لا يسقط عنه، بل يجب أن يحد مهما حسنت توبته بالإجماع واحتج الحنفية على أن حكم الاستثناء مختص بالجملة الأخيرة بوجوه.
(أحدها) أن الاستثناء من الاستثناء يختص بالجملة الآخيرة، فكذا في جميع الصور طرداً للباب.
(ثانيها) أن المقتضى لعموم الجمل المتقدمة قائم، والمعارض وهة الاستثناء يكفي في تصحيحه تعليقه بجملة واحدة، وهي الأخيرة، فقط.
(ثالثها) أن الاستثناء لو رجع إلى كل الجمل المتقدمة لوجب أنه إذا تاب أن لا يجلد، وهذا باطل بالإجماع، فوجب أن يختص الاستثناء بلجملة الأخيرة.
واحتج الأحناف على مذهبهم في المسألة بوجوه من الأخبار والأحاديث الشريفة.
(أحدها) ما روى أبن عباس رضي اللّه عنهما في قصة هلال بن أمية حين قذف امرأته بشريك بن سحماء فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (يجلد هلال، وتطل شهادته في المسلمين) فأخبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن وقوع الجلد به يبطل شهادته عن غير شرط التوبة في قبولها.
(وثانيها) أن قوله عليه السلام (المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا محدود في قذف) ولم يشترط فيه وجود التوبة منه.
(وثالثها) ما روى عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (لا تجوز شهادة محدود في الإسلام).
المالكية، والحنابلة، والشافعية – قالوا: تقبل شهادة المحدود في قذف إذا تاب وحسنت توبته، والمراد بتوبته الموجبة لقبول شهادته، أن يكذب نفسه في قذف. وهل يعتبر فيه إصلاح العمل أم لا؟
وقول يتعتبر لقوله تعالى إلا الذين تابوا
وقيل: لا. لأن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال لابي بكرة: تب أقبل شهادتك.
وقد احتجوا على مذهبهم، بأن شهادة المحدود في قذف مقبولة بوجوه:
(أحدها) قوله عليه الصلاة والسلام: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) ومن لا ذنب له مقبول الشهادة، فالتائب يجب أن يكون أيضاً مقبول الشهادة.
(وثانيها) أن الكافر يقذف فيتوب عن الكفر، ويدخل الإيمان، فتقبل شهادته بالإجماع، فالقاذف المسلم إذا تاب عن القذف، وجب أن تقبل شهادته، لأن القذف مع الإسلام أهون حالاً من القذف مع الكفر فإن قيل: المسلمون لا يألمون بسبب الكفار، لأنهم شهروا بعداوتهم، والطعن فيهم بالباطل، فلا يلحق المقذوف بقذف الكافر، من الشين والشنأن، وأيضاً فالتائب من الكفر لا يجب عليه الحد والتائب من القذف لا يسقط عنه الحد.
قلنا: هذا الفرق ملغى بقوله عليه الصلاة والسلام (أنبئهم أن لهم ما للمسلمين، عليهم ما على المسلمين).