پایگاه تخصصی فقه هنر

الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص1945

الشافعية قالوا: لا فرق بين أن يجيء الشهود متفرقين أو مجتمعين، لأن الإتيان بأربعة شهداء قدر مشترك بين الإتيان بهم مجتمعين أو متفرقين، واللفظ الدال على ما به الاشتراك لا إشعار له بما به الامتيازن فالآتي بهم متفرقين يكون عاملاً بالنص، فوجب أن يخرج عن العهدة ولأن كل حكم يثبت بشهادة الشهود إذا جاؤوا مجتمعين يثبت إذا جاؤوا متفرقين كسائر الأحكام، بل هنا أولى لأنهم إذا جاؤوا متفرقين كان أبعد عن التهمة، وعن أن يتلقن بعضهم من بعض، فلذلك قلنا إذا وقعت ريبة للقاضي في شهادة الشهود فرقهم ليظهر على عورة إن كانت في شهادتهم ولآنه لا يشترط أن يشهدوا معاً في حالة واحدة، بل إذا اجتمعوا عند القاضي وكان يقدم واحداً بعد لآخر ويشهد فإنه تقبل شهادتهم، فكذا إذا اجتمعوا على بابه ثم كان يدخل واحد بعد واحد.

الحنفية قالوا: إذا شهد الشهداء متفرقين فلا تقبل شهادتهم ويجب عليهم حد القذف، لأن الشاهد الواحد لما شهد فقد قذفه ولم يأت بأربعة شهداء فوجب عليه الحد لقوله تعالى: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا برابعة شهداء فاجلودهم ثماني جلدة

وأقصى ما في الباب أنهم عبروا عن ذلك القذف بلفظ الشهادة وذلك لا عبرة به لأنه يؤدي إلى إسقاط حد القذف رأساً، لأن كل قاذف لا يعجزه لقظ الشهادة، فيجعل ذلك وسلة إلى إساقط الحد عن نفسه وحصل مقصوده من قذف الأبرياءء الغافلين.

مبحث إذا قل الشهود عن أربعة

المالكية قالوا: إذا كان الشهداء أقل من أربعة أعتبروا قذفة، ويقام عليهم حد القذف، ويجلد كل واحد منهم ثمانين جلدة، كما ورد في الآية الكريمة: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة

.

الحنفية، والحنابلة، والشافعية في بعض أقوالهم قالوا: إذا كان الشهود أقل من أربعة فلا يعتبرون قذفة، ولا يقم عليهم حد القذف، لآنهم جاؤوا شاهدين، لا قاذفين، فلا ذنب لهم، ويسد باب الشهادة على الزنا.

الشافعية في قولهم الثاني قالوا: لو شهد في مجلس الحالكم دون أربعة من الرجال بزنا أحد الناس يقام عليهم الحد في الأظهر منمن المذهب. وذلك لآن سيدنا عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه أقام الحد على الثلاثة الذي شهدوا على المغيرة بن شعبة بالزنا رضي اللّه عنه، كما ذكره البخاري رحمه اللّه في صحيحه. ولم يخالفة أحد من الصحابة رضوان اللّه عليهم، ولئلا يتخذ الناس صورة الشهادة ذريعة إلى الوقيعة في اعراض الناس، ولا يقام عليهم الحد، فهو من باب سد الذرائع.

ومحل الخلاف إذا شهدوا في مجلس القاضي، أما لو شهدوا في غير مجلسه فهم قاذفون جزماً وإن كانوا بلفظ الشهادة، لأنه تبين أنهم لا يقصدون أداء الشهادة، بل القذف والتشهير.

مبحث إذا جاء القاذف بشهود فسقة

الحنفية قالوا: إذا قذف رجلاً آخر، فجاء بأربعة فساق شهداء على المقذوف بالزنا فإنه يسقط الحد عن القاذف، ولا يقام الحد على الشهداء، وذلك لقوله تعالى: ثم لم يأتوا بأربعة شهداء