الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص1942
أما الجلد فللزجر، ولمقابلة الإيذاء بالإيذاء، وأما رد الهشادة فهي عقوبة لسانية تشبه قطع يد السارق، فكأنه روعي أن جزاء هذا اللسان الذي اقترف ذلك الإثم العظيم، أن يهدر ويقطع أثره، فلا يعتد بما يقوله، ويشهد به فيما بين الناس، فهو العدم سواء، وأما تفسيقه فهو مبالغة في الزجر، وإشارة إلى أن ما لقي من جزاء في الدنيا من الحد ورد الشهادة لم يعفه من اعتباره فاسقاً خارا”ً عن أمر ربه وطاعته تبارك وتعالى، وناهيك بهذه الجزاءات دلالة على عظم الخطب، وشدة الخطر، وإذا كان هذا في الرمي بالزنا والاتهام به، فكيف يكون حال مقترف هذا الجرم الفاحش الشنيع؟ فهذا الحكم مع دلالته على ما سبق له، يدل دلالة بالغة على تفظيع جرم تلك الفاحشة، وتشنيع أمرها، وعناية الشارع بالتنزيه عنها، والتنفير منها، حتى يتطهر المجتمتع من آثامها، وإذا حد الكافر في قذف لم تجز شهادته على أهل الذمة، فترد تتمة لحده.
إذا كانت أم المقذوف كافرة أو أمة
المالكية قالوا: يجب إقامة الحمد على القاذف، سواء كانت أم المقذوف حرة، أو أمة، مسلمة أو كافرة، لعموم لفظ الآية أو كان أبو المقذوف الحر المسلم عبداً، أو كافراً، على الراجح من المذهب.
الحنفية، والشافعية قالوا: لا يجب إقامة الحد على القاذف إذا كانت أم المقذوف أمة، أو كانت كتابية، ويحد إذا كان أبو المقذوف الحر المسلم عبداً، أو كافراً، أو كان القاذف كافراً والعياذ بالله تعالى.
قبول شهادته قبل إقامة الحد عليه
الشافعية والليث بن سعد قالوا: إذا وجب الحد على شخص بطلب شهادته ولزمه صفة الفسق قبل إقامة الحد عليه، لأن اللّه تعالى رتب على القذف مع عدم الإتيان بالشهداء الأربعة اموراً ثلاثة معظوفاً بعضها على بعض بحرف الواو، وهو لا يقتضي الترتيب، فوجب أن لا يكون بعضها مرتباً على البعض، فوجب أن لا يكون رد الشهادة مرتباً على إقامة الحد، بل يجب أن يثبت رد الشهادة سواء أقيم الحد عليه أم لا ا هـ.
الحنفية، والمالكية قالوا: إذا ثبت حد القذف على شخص، فإن شهادته تكون مقبول ما لم يحد، فلا يتسم بسمة الفسق ما لم يقع به الحد، لأنه لو لزمته سمة الفسق لما جازت شهادته، إذ كانت سمة الفسق مبطلة لشهادة من وسم بها.
وذلك لأن ظاهر الاية يقتضي ترتب وجوب الحد على مجموع القذف، والعجز عن إقامة الشهادة، فلو علقنا هذا الاحكم على القذف وحده، قدح ذلك في كونه معلقاً على الأمرين. ويذلك بخلاف زاهر الآية، وايضاً فوجوب الجلد حكم مرتب على مجموع أمرين فوجب أن لا يحصل بمجرد حصول أحدهما.
واتفق الأئمة على أن الحر لا يجلد في قذف عبده، لآنه ملك يمينه، فلا يعاقب بقذفه.
إذا قذف العبد حراً
اتفق الأئمة على أن العبد إذا قذف حراً يجلد اربعين جلدة نصف حد الحر، ذكراً، أو أنثى. وذلك لما رواه الثوري عن جعفر بن محمد عن ابيه أن علياً عليه السلام قال: (يجلد العبد في القذف أربعين) وعن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنه أنه قال: (أدركت أبا بكر وعمر، وعثمان، ومن بعدهم من الخلفاء وكلهم يضربون المملوك في القذف أربعين) ولان جميع حدود الأحرار تنشطر بالرق.
ولأن اللّه عز وجل قال: فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب