الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص1938
قال العلماء: إن القذف ينقسم الى لا محظور، ومباح، وواجب، فإذا لم يكن هناك ولد يريد نفيه فلا يجب وهل يباح أم لا؟ ينظر، وإن رآها بعينه تزني، أو أقرت هي على نفسها ووقع في قلبه صدقها، أو سمع ممن يثق بقوله أو لم يسمع، ولكنه استفاض فيما بين الناس ان فلاناً يزني بفلانة، وقد شاهده الزوح يخرج من بينها، أو رآها معه في بيت، فإنه يباح له القذف في مثل هذه الحالات لتأكد التهمة، ويجوز أن يمسكها، ويستر عليها إن تابت، أما إذا سمع الخبر ممن لا يوثق بقوله، أو استفاض من بين الناس، ولكن الزوج لم يره معها في خلوة، أو بالعكس لم يحل له قذفها، ولكن يجب عليه مراقبتها والتجسس عليها حتى يثبت له صدق الخبر، أو كذبه، حتى لا يكون (ديوثا) يقر الزنا في اهل بيته.
أما إذا كان ثم ولد يرد نفيه، نظر: فإن تيقن أنه ليس منه، بأن لم يكن وطئها الزوج، أو وطئها لكنها أتت به لأقل من ستة أهشر من وقت الوطء، أو لأكثر من أربع سنين يجب عليه القذف، ونفي الولد باللعان، لأنه ممنوع من استلحاق نسب الغير، كما هو ممنوع من نفي نسبه، كما روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من اللّه، ولن يدخلها اللّه حنته،) فما حرم على المرأة أن تدخل على قوم من ليس منهم كان الرجل أيضاً كذلك.
أما إن احتمل أن يكون منه بأن أتت به لأكثر من ستةة أشهر من وقت الوطء، ولدون أربع سنين، نظر، إن لم يكن قد استبرأها بحيضة، أو استبرأها وأتت به لدون ستة أشهر، من وقت الاستبراء، لا يحل له القذف والنفي، وإن اتهمها بالزنا، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه، احتجب اللّه منه يوم القيامة، وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين).
(2) (تعريفه شرعاً
القذف في اللغة الرمي، وفي اصطلاح الفقهاء: نسبة من أحصن إلى الزنا صريحاً أو دلالة وإنما سمي اتهام المسلم المحصن قذفاً، لأن الناطق بهذه الكلمة كالفاحشة (الزنا) يقذفها كما يقذف الحجر في حالة غضب لا يدري من أصابته في طريقها من محصنة بريئة، وأبيها، وأمها، وأختها، وأخيها، وزوجها، وبينها، وعشيرتها، وذويها، كل أولئك قد نالهم ضرر من قذيفته الطائشة، وهو ضاحك مسرور غافل لا يدري من آلام هؤلاء شيئاً، ويسمى (فرية) لأنه من الافتراء والكذب.
وقد وصف اللّه تعالى النساء بهذه الأوصاف الحميدة التي تناسب هذا المقام، فالمحصنات هن المصونات كأنه جعل عليهن حصن منيع، والغافلات: أي الخاليات الذهن عن التفكير في المنكر فضلاً عن التوجه إليه والمؤمنات اللاتي آمن بالقران الكريم، وأحكامه، والتزمن حدود الإمان.
واسم الإحصان يقع على المتزوجة، وعلى العفيفة وإن لم تتزوج لقوله تعالى في مريم: والتي أحصنت فرجها
وهو مأخوذ منع الفرج، فإذا تزوجت منعته إلا من زوجها، وغير المتزوجة تمنعه على كل أحد.