پایگاه تخصصی فقه هنر

الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص1936

ففرض اللّه لنا فيما فرض من أحكام (حد القذف) الزاجر الرادع، الكفيل بصيانة الأعراض، وحفظ الكرامة والشرف، حتى تنزجر النفوس عن الإقدام على هذا الجرم الفظيع، وليتأدب عامة المؤمنين بطلب ظن الخير بالآخرين، وعدم المسارعة إلى سوء الظن بالناس، والدعوة إلى تطهير اللسان، وصون الآداب والتحرز عن الخوض في كبريات التهم بلا علم، وتقرير بينات التهمة بحسب فظاعتها حتى لا يتخذ الناس الكيد بالاتهام الكاذب ذريعة للخدش والنكاية بلا حق. وإنك لا تجد من أنواع الجرم، ما يقدم عليه صاحبه غافلاً عن عظيم خطره إلا جرم اللسان، وكأنه سهولة حركته بطبعه. ولذة التحدث بالأمور المستغربة، وحسبان أن الطلام لا ينقص من المتكلم فيه شيئاً محسوساً يذكر، مع اعتياد الناس التساهل في القول والسماع، كل ذلك جعل الناس يستهينون به، ويحسبونه هيناً وهو ذنب عند اللّه عظيم، لذلك اهتم الشارع بحد القذف أعظم اهتمام، فأنزل في حد السرقة آية واحدة، وفي حد الزنا آيتين، وفي حد قطاع الطريق آية، أما حد القذف فقد أنزل فيه آيتين ثم أتبعه بنوع آخر منه وهو (اللعان) فأنزل فيه خمس آيات، ثم أردفه بذكر حديث الافك فأنزل فيه تسع آيات، ثم أتبع ذلك كله، فأنزل أربع آيات في النهي عن قذف المحصنات الغافلات المؤمنات، إلى أن قال: (أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم

فكأن اللّه تعالى أنزل في حد (القذف) وأحكامه وأنواعه وبيان عقابه، وشرح الأضرار المترتبة عليه في المجتمع، والنهي عنه، والتحذير من الوقوع يه، وفظاعة الإقدام عليه، أنزل في ذلك (عشرين) آية في سورة النور.

ثم ذكر اللّه تعالى في ذكر هذه الآيات عقاب المجرم الذي يقذف الناسن ويهتك أعراضهم بأنه لم يستطيع إثبا البينة على قوله بأمور: أولاً: أن يجلد ثمانين جلدة. ثانياً: ترد شهادته طول حياته. ثالثاُ: يصبح من أهل الفسوق والإجرام وأصحاب الكبائر. رابعاً: يكون عند اللّه من الكاذبين، خامساً: أنه ملعون في الدنيا، ملعون في الآخرة، سادساً: ان له عذاباً عظيماً عند اللّه قد ادخره له يوم القيامة، سابعاً: تشهد عليه جوارحه زيادة في الخزي والعار على رؤوس الأشهاد. ثامناً: ان اللّه تعالى يوفيهم جزاء فعلهم، ويجزيهم حساب عملهم، من القدر المستحق من أنواع العذاب في نار جهنم، وقد أجمعت المة على أن القذف من أكبر الكبائر وأن حد القذف من أكبر الكبائر وأن حد القذف ثابت بالكتاب والسنة، وإجماع الأمة، أما الكاب فقوله تعالى: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة ابداً. وأولئك هم الفاسقون

وقوله تعالى: فإذا لم يأتوا باشهداء فأولئك عند اللّه هم الكاذبون

.

والمعنى: أن من قذف مسلماً أو مسلمة، ولم ستطع إقامة البينة المطلوبة لإثبات قوله، فهو كاذب عند اللّه، أي حكمه في شريعة اللّه تعالى حكم الكاذب يقيناً، فيقام عليه حد الكاذب، وقوله تعالى: إن الذين يرمون الممحصنات الغافلات المؤمنات، لعنوا في الدنيا والآخرة، ولهم عذا بعظيم، يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانو ايعملون، يومئذ يوفيهم اللّه دينهم الحق، ويعلمون أن اللّه هو الحق المبين