الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص1927
الحنفية، والحنابلة قالوا: إذا ثبتت الجناية على السارق فلا يجتمع عليه وجوب الغرم مع القطع، وإن تلف المسروق هلاكاً أو استهلاكاً فلا يضمن، فإن غرم فلا قطع، وإن قطع فلا غرم، أما إذا قطع السارق والعين قائمة في يده ردت على صاحبها، لبقائها على ملكهن من غير خلاف وللمسروق منه الخيار، فإن فاختار الغرم لم يقطع السارق، وإن اختارم القطع فلا غرامة عليه، لما رواه النسائي من حديث المسور بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن عوف رضي اللّه تعالى عنه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (لا يغرم السارق إذا أقيم عليه الحد) ففي الحديث دليل على أن العين المسروقة إذا تلفت في د السارق لم يغرمها بعد أن وجب عليه القطع سواء أتلفها قبل القطع أو بعده، ولأن هذا القطع جزاء، والجزاء هو الكافي، فدل ذلك على أن هذا القطع كان في جناية السرقة، ولأن اجتماع حقين في حق واحد مخالف للأصول، فصار القطع بدلاً من الغرم، ولذلك إذا تكرر من السارق، سرقة ما قطع به، لم يقطع فيه مرة ثانية، لشبهة اتحا المحل، والسبب.
ولأن وجوب الضمان ينافي القطع، لأن يتملكه بعد أداء الضمان مستنداً إلى وقت الأخذ فتبين أنه أخذ ملكه، ولا قطع في ملكه، لكن القطع ثاب قطعاً، فما يؤدي إلى انتفائه فهو المنتفي والمؤدي إليه الضمان فينتفي الضمان.
المالكية قالوا: إن كان السارق موسراً وجب عليه القطع والغرم، وإن كان معسراً لم يجب عليه الضمان بل يقطع فقط. لأن له رائحة عذر لما ظهر عنده من الفاقة والحاجة، و لا يكلف اللّه نفساً إلا وسعها
الشافعية رحمهم اللّه تعالى قالوا: يجب القطع والغرم على السارق على أي حال موسراً أو معسراً لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) ولقوله تعالى: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل
وقوله صلى اللّه عليه وسلم: (ولا يحل مال امرىء مسلم إلا بطيبة من نفسه) ولأنه اجتمع في السرقة حقان، حق اللّه تعالى، وحق للآدمي فاقتضى كل من حق موجبه، ولأنه اتفقت آراء العلماء على أنه إذا كان الشيء المسروق موجوداً بعينه رد إلى صاحبه، فيكون إذا لم يوجد في ضمانه، قياساً على سائر الأموال الواجبة. ولآنه أتلف مالاً مملوكاً عدواناً فيضمن مثل الغصب ولا منافاة هنا بين هذين الحقين لنهما بسببين مختلفين أحدهما حق اللّه، وهو النهي عن هذه الناية الخاصة، والآخر حق الفرد فيقطع حقاً لله، ويضمن حقاً للعبد، وصار كاستهلاك صيد مملوك في الحرم، فيجب الجزاء حقاً لله تعالى، ويضمن حقاً للعبد، وكشرب خمر الذمي، فإنه يحد حقاً لله، ويغرم قيمتها حقاً للذمي، ولما روي ان النبي صلى اللّه عليه وسلم سئل عن التمر المعلق فقال: (من أصاب بغية من ذي حاجة غير متخذ خبنة، فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه الغرامة والعقوبة) الحديث ا هـ.
من وجد رجلاً داخل الدار
الحنفية رحمهم اللّه قالوا: لو وجد في داره أجينباً فقتله، ثم قال: إن هذا لص دخل على داري ليأخذ مالي، ولم أستطع رده إلا بقتله، ينظر في الرجل المقتول فإن كان معروفاً بالفساد واللصوصية فلا قود عليه، وكان على القاتل دفع الدية إلى اهله، وان لم يكن معروفاً بالفساد واللصوصية، فعلى القاتل القود، ولا يقبل دعولاه إلا ببينة.