الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص1895
الحنفية – قالوا: فإن عاد وسرق بعد أن قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى يقف إيقاع الحد ولا يجب عليه القطع في المرة الثالثة، بل يضمن السرقة، ويحبس ويضرب حى يتوب عن السرقة، والأصل أن حد السرقة شرع زاجراً لا متلفاً، لأن المحدود شرعتم للزجر عن ارتكاب الكبائر، لا متلفة للنفوس المحترمة، فكل حد يتضمن إتلاف النفس من كل وجه، أو من وجه واحد لم يشرع حداً، وكل قطع يؤدي إلى إتلاف جنس المنفعة كان إتلافاً للنفس من وجه، فلا يشرع، وقطع اليد اليسرى في المرة الثالثة، والرجل اليمنى في المرة الرابعة يؤدي إلى إتلاف جنس منفعة البطش والمشي، فلا يشرع حداً، واليه الإشارة بقول علي رضي الله تعالى عنه: إني استحي من الله أن لا أدع له يداً يأكل بها، ويستنجي بها، ورجلاً يمشي عليها (وبهذا حاج بقية الصحابة فحجهم فانعقد اجماعاً – جماعاً). وعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أنه أي برجل أقطع اليد، والرجل قد سرق يقال له (سدوم) فأراد أن يقطعه، فقال له على بن أبي طالب كرم الله وجهه: إنما عليه قطع يد ورجل، فحبسه عمر رضي الله تعالى عنه ولم يقطعه، ففتوى على، ورجوع عمر رضي الله عنهما إليه من غير نكير، ولا مخالفة من غيرهما دليل على إجماعهم عليه، أو أنه كان شريعة عرفوها من رسول الله صلى اللّه عليه وسلم، وهذا بخلاف القصاص، لأنه حق العبد، فيستوفى جبراً لحقه – ولأنه نادر الوجود، فيندر أن يسرق الإنسان بعد قطع يده، ورجله، والحد لا يشرع إلا فيما يغلب. وما روي من الحديث في قطع اربعة السارق، طعن في الطحاوي رحمه الله تعالى – أو نقول: لو صح لا حتج به الصحابة، على الإمام على رضي الله عنه، ولرجع إليهم، وحيث أنه قد حجهم ورجعوا إلى قوله من غير معارضة منهم، جل على عدم صحته. فإن كانت يده اليمنى ذاهبة، أو مقطوعة، تقطع رجله اليسرى من المفصل، وإن كانت رجله اليسرى مقطوعة، فلا قطع عليه، لما فيه من الاستهلاك، على ما بينا، وضمن السرقة، ويحبس حت يتوب. وإن كان اقطع اليد اليسرى أو امثلها، أو ابهامها، أو إصبعين سواها، وفي رواية ثلاث أصابع، أو اقطع الرجل المينى، أو اشلها، أو بها عرج يمنع المشي عليها فلا تقطع يده اليمنى ولا رجله اليسرى. والحاصل: أنه متى كان بحال لو قطعت يده اليمنى لا ينتفع بيده اليسرى، أو لا ينتفع برجله اليمنى لآفة كانت قبل القطع، لا يقطع، لأن فيه تفويت جنس المنفعة بطشاً، أو مشياً، وقوام اليد بالإبهام فعدمها أو شللها كشلل جميع اليد، ولو كانت اصبع واحدة سوى الإبهام مقطوعة، أو شلاء، قطع، لان قوات الواحدة لا يوجب نقصاً ظاهراً، في البطش، بخلاف الأصبعين لأنهما كالإبهام في البطش، ولو كانت اليد اليمنى شلاء شللاً جزئياً، أو ناقصة الأصابع يقطع في ظاهر الراوية.