پایگاه تخصصی فقه هنر

الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص1871

إن الإسلام قد أوجب على المسلم إذا وقع في ذنب من هذه الكبائر، أن يقلع عن الذنب ويتوب إلى الله تعالى، ويستر على نفسه، ولا يفضحها بالتحدث بالذنب أما الناس، والتجاهر بالمعصية. وقد روي عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: (أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله، من أصاب شيئاً من هذه القاذورات فليستتر بستر الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله تعالى) ذلك لأن المجاهرة بهذه الفاحشة تبجح في عصيان الله تعالى، واستهتار بمحارمه، وجليل على انهيار المجتمع وانحلالهن وضياع الحياء من أفراده، لأن المخطئ لابد أن يكون عنده بقية من حياء يمنعه من الإعلان عن خطئه بين الناس، وحجبه عن المجاهرة بذنبه في المجتمع الذي يعيش فيه، وخلع برقع الحياء مع الله عز وجل، فالإنسان إذا فقد الحياء من الله وأما الرأي العام كان خطراً على نفسه وعلى الناس جميعاً لأنه فقد أعز شيء لديه، ولن في المجاهرة بالمعصية إشاعة للفساد وتحرضاً عليه، وحملا، للغير على اقترافه، كالمريض الذي يخالط الصحيح، فلا شك أن يعديه وينقل أثر المرض إليه، ولهذا ندبنا الشارع الحكيم، وعلمنا رسوله الأمين صلوات الله وسلامه عله أن الواحد منا إذا وقع في معصية أن يكتم على الخبر، ويعتصم بالستر، ويطلب من الله المغفرة، ولا يحدث أحداً عما وقع منه، كما روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (من أتى من هذه القاذورات (المنكرات) فليستتر بستر الله عز وجل)، وقد شدد الإسلام النكير على المتجاهرين بالمعصية، وجعلهم من المحرومين من مغفرة الله وعفوه ورحمته. قال رسول الله صلى اللّه عليه وسلم (كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل العبد عملاً بالليل ثم يصبح وقد ستره الله تعالى فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، قد بات ستره الله عز وجلن ويصبح يكشف ستر الله عليه عنه). أما أرباب الحياء والدب من الله تعالى الذين يتركون الذنوب ويكتمون على أنفسهم، ولا يحدثون الناس بهفواتهم ويندمون عما حدث منهم من المعاصي (إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه وستره من الناس وقرره بذنوبه فيقول أتعرف ذنب كذا، أتعرف ذنب كذا؟ فيقول نعم أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال: فإني سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم) رواه الإمام أحمد.

الحدود كفارات لأصحابها

اتفقت كلمة العلماء على أن الحدود كفارات لأربابها، لأن في إقامتها كسراً لشوكة الظالمين وإخافة لهل الشر والمفسدين، وحفظاً للمجتمع من الدمار، والهلاك، والفساد، والضياع لما روي عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا استحلت أمتي خمساً فعليهم الدمار، إذا ظهر التلاعن، وشربوا الخمر، ولبسوا الحرير، واتخذوا القيان، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء) رواه الترمذي، والبيهقي.

فإقامة الحدود على من وقع فيها تكفر ذنبهن وترفع عنه العقاب في الدار الآخرة، لأن الله تعالى لا يجمع على عبده عقابين على ذنب واجد، فقد روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال في شأن المرأة الغامدية التي وقعت في الزنا ثم ندمت واعترفت بين يديهن وأقيم الحد عليها (لقد تابت توبة لو قسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أنها جادت بنفسها لله تعالى).

وكما روي عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه أنه أقسم على ماعز بن مالك السلمي الذي أقر بالزنا وندم على ذنبه، وأقيم عليه الحد وجم بالحجارة، بأن الله غفر له ذنبهن وأدخله الجنة، وتاب عليه توبة صادقة، وان إقامة الحد عليه كان فارة له فقال صلى اللّه عليه وسلم لمن اعترض عليه (والذي نفس بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها). وروى عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه أنه قال: كنا مع النبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب شيئاً من ذلك، فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب شيئاً من ذلك فستره الله عليه، فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه، ،إن شاء عذبه) زاد في رواية (فبايعناه على ذلك) رواه الخمسة إلا أبا داود.