الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص1868
روى الإمام أحمد واللفظ له والنسائي والحاكم وقال صحيح الإسناد أن الرسول صلى اللّه عليه وسلم قال: (ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة، مدمن الخمر، والعاق لوالديه، والديوث الذي يقر في آهل الخبث). وروى الطبراني بسند صحيح قال الحافظ المنذذري: لا أعلم فيه مجرحاً أن رسول الله صلى اللّه عليه وسلم قال: (ثلاثة لا يدخلون الجنة أبداً الديوث والرجلة من النساء ومدمن الخمر قالوا: يا رسول الله أما مدمن الخمر فقد عرفناه فما الديوث؟ قال: الذي لا يبالي بمن يدخل على أهله. قيل: فما الرجلة من النساء؟ قال: التي تشبه بالرجال).
كل هذه القضايا التي ذكرناها في هذا الباب والتي تركناها ولم نذكرها خوفاً من الإطالة والملل لنقيم الدليل على أن جريمة الزنا من أفحش الأمور ومن أخطر الجرائم على الأفراد والأسر والجماعات، وعلى أنها سبب في ضياع الأموال وانتشار الخمور وقتل الأنفس وفساد المجتمع، وأنها توقع العداوة والبغضاء بين صفوف المؤمنين وتوهن من قوتهم وتضعف من عزيمتهم وتسلبهم العزة والكرامة والمروءة أركانه، فلا تتعجب من اهتمام الشارع بهذه الجناية وتحريم مقدماتها من النظرة المريبة ولمس المرأة الأجنبية وسماع صوتها، والخلوة بها وغير ذلك حتى يسد الباب عن الوقوع في الزنا.
ولا تتعجب من سن الشارع هذا الحد الرادع من جلد مائة جلدة، وضرب المحصن بالحجارة حتى يموت، وعدم الشفقة والرحمة بهم، وتشريع اللعان وتحريم القذف، وإقامة الحد على القاذف، حتى تحفظ على الناس أعراضهم ويبقى المجتمع في أمن وسلام وسعادة واطمئنان، ولا تنس أن أول جناية قتل حصلت في الوجود بعد أن خلق الله الأرض وعمرها سيدنا آدم إنما هي من جراء شهوة الفرج ومن أجل النساء وهي قضية قابيل وهابيل.
فائدة
قال الله تعالى: ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله
قال المفسرون: يحتمل أن يكون المراد أن لا تأخذكم رأفة بأن يعطل الحد أو ينقص منه، والمعنى لا تعطلوا حدود الله، ولا تتركوا إقامتها للشفقة والرحمة، وهذا قول مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير.
وقيل: يحتمل أن لا تأخذكم رأفة بأن يخفف الجلد، ويحتمل كلا الأمرين، والأول أولى لأن الذي تقدم ذكره في الآية الشريفة، الأمر بنفس الجلد، ولم يذكر صفته، فما يعقبه يجب أن يكون راجعاً إليه، وكفى برسول الله أسوة في ذلك حيث قال: (لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها). ونبه بقوله: (في دين الله) على أن الدين إذا أوجب أمراً لم يصح استعمال الرأفة في خلافه.
وأما قوله تعالى: إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر
فهو من باب التهييج والتهاب الغضب لله تعالى ولدينه. قال الجبائي تقدير الآية: إن كنتم مؤمنين فلا تتركوا إقامة الحدود