الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص1837
عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: (ادرؤوا الحدود عن المسلمين، ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العقو، خير من أن يخطئ في العقوبة) رواه الترمذي.
وعن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: ادرؤوا الحدود بالشبهات، وادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم.
وروي عن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قبل عذر رجل زنى في بلاد الشام، وادعى الجهل بتحريم الزنا، ولم يقم عليه الحد لهذه الشبهة، التي يستطيع أن يتذرع بها كل أحد.
وروي أيضاً عنه وعن سيدنا عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أنهما عذرا جارية زنت وهي أعجمية، وادعت أنها لم تكن تعلم تحريمه.
وقد روي عن أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم، لما لاعن بين هلال بن أمية وبين زوجته حين اتهمها بشريك بن السحماء قَالَ رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم (اللهم بين).
قَالَ أنس: فوضعت شبيها بالذي ذكر زوجها أنه وجده عندها، ومع هذا الدليل لم يقم رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم الحد، لأن البينة لم تقم. ولم يحصل منها اعتراف، ومجرد ظهور الحمل عليها لا يقوم دليلاً على إقامة الحد، وقد درأ عنها وقال صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: (لولا الإيمان لكان لي ولها شأن). ولم يلحق الولد بالرجل الذي اتهم بأنه كان عندها.
فهذا الأمر الخطير الذي يفضي إلى هلاك النفوس لابد فيه من البينة أو الإقرار حتى يثبت على فاعله.
اتفق الأئمة الأربعة: على أن الحدود تدرأ بالشبهات، ولكنهم اختلفوا في هذه الشبهات.
من وجد على فراشه امرأة فوطئها
الحنفية قالوا: إذا وجد الرجل على فراشه امرأة فظن أنها امرأته فوطئها ثم تبين له أنها أجنبية عنه، يحد الرجل في هذه الحال، لأنها ليست بشبهة حيث أنه يمكن معرفة زوجته بكلامها، وجسمها، وحركتها، ولمسها، ومس جلدها، فلا تكون هناك شبهة تدرأ عنه الحد، وإذا ادعى أنه ظن ذلك صدق بيمينه.
وكذلك الأعمى إذا دعا زوجته إلى فراشه فأجايته امرأة أجنبية، ولم تقل له أنا فلانة ثم جامعها، وتبين له بعد ذلك أنها أجنبية عنه، يقام عليه الحد، ولا يعتبر هذا شبهة فقد يكون الأعمى، والظان فطناً، حاذقاً، لا يخفى عليه زوجته من غيرها.
فأراد علماء الأحناف سد هذا الباب، حتى لا يكون وسيلة إلى انتشار الفساد في المجتمع. شفقة على دين الأمة حتى لا يتجرأ المفسدون على فعل ذلك عمداً، ويزعمون أنه لا يجب عليهم الحد، لوقوع هذه الشبهة عندهم، فمجرد وجود امرأة على فراشه لا يكون دليل الحل ليستند إلى الظن.