پایگاه تخصصی فقه هنر

الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص1829

المالكية والشافعية – قالوا: يكفي في وجوب الحد عليه إقراره بالزنا مرة واحدة، ولا يشترط العدد، كغيره من سائر الأحكام كالقتل والسرقة وشرب الخمر وغيرهم، وبه قَالَ داود والحسن البصري والطبري وجماعة من العلماء المحققين في الفقه، وحجتهم ما جاء في حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وزيد بن خالد من قول النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم في حديث العسيف (واغد يأنس على امرأة هذا، فإذا اعترفت فارجمها) فغدا عليها أنيس فاعترفت فأمر النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم بها فرجمت، ولم يذكر العدد ولأن الإنسان إذا أقر على نفسه بما يوجب الجلد أو الرجم دل هذا على صدقه في قوله، فلا يحتاج إلى التكرار عدة مرات، بل يكفي مرة واحدة فإن هذا الإعتراف، لا يقع إلا من أهل الإخلاص في اليقين، وأصحاب الإيمان الصادق، وقليل ماهم.

فلما رأيناه شهد على نفسه، حملناه على كمال الإيمان وصدق اليقين بالعذاب وأنه ما طلب التطهير بلإقامة الحد عليه إلا لتحققه في نفسه أنه وقع في الزنا، وخاف من عذاب اللَّه يوم القيامة، فيقبل اعترافه، ولو مرة واحدة، ولا حاجة للتكرار والعدد وإنما رد النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم ماعزاً عدة مرات، لأنه شك في أمره، لذلك قَالَ له: (أبك جنون)، وسأل أهله عنه.

الإقرار في مجالس مختلفة

والذين قالوا باشتراط العدد في الإقرار اختلفوا في كونه في أربعة مجالس.

الحنابلة وابن ليلى – قالوا: يكتفي بالإقرار أربع مرات ولو في مجلس واحد.

الحنفية – قالوا: يشترط كون الإقرار أربع مرات في أربعة مجالس من مجالس المقر واستدلوا على مذهبهم بما روي في صحيح مسلم عن أبي بريدة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن ماعز بن مالك أتى النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فرده، ثم أتاه الثانية من الغد فرده، ثم أرسل إلى قومه فسألهم هل تعلمون بعقله بأساً؟ فقالوا: ما نعلمه إلا وفي العقل من صالحنا، فأتاه الثالثة، فأرسل إليهم أيضاً فأخبروه بأنه لا بأس به ولا بعقله، فلما كان الرابة حفر له حفرة فرجمه.

وما روي عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جاء الأسلمي النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فشهد على نفسه أنه أصاب امرأة حراماً أربع مرات كل ذلك يعرض عنه، فأقبل في الخامسة، فقال: (أنكتها؟ قَالَ: نعم، قَالَ: حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ قَالَ: نعم، قَالَ: كما يغيب المرود في المكحلة وكما يغيب الرشاء في البئر؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فهل تدري ما الزنا؟ قَالَ: نعم، أتيت منها حراماً مثل ما يأتي الرجل من امرأته حلالاً قَالَ: فما تريد بهذا القول؟ قَالَ: أريد أن تطهرني. فأمر به فرجم فسمع النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر اللَّه عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب، فسكت عنهما ثم سار ساعة، حتى مر بجيفة حمار شائل برجله، فقال: أين فلان وفلان؟ فقالا نحن ذان يَا رَسُولَ اللَّه فقال: انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار، فقالا: ومن يأكل من هذا يَا رَسُولَ اللَّه؟ فقال: فما نلتما آنفاً أشد من الأكل منه، والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها).

فقد صرح الحديث بتعداد المجيء في مجالس متفرقة، وتعدد الافراد كل مرة بعد رده.