الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص1822
الحنفية – قالوا: يجب أن يبدئ الشهود برجم الزاني أولاً ويجبرهم الإمام على ذلك، ثم الإمام، أو نائبه، ثم الناس بعد وهذا شرط لا بد منه في إقامة الحد، حتى لو امتنع الشهود عن رجم الزني يسقط الحد عن المشهود عليهما، ولا يحد الشهود حد القذف، لأن امتناعهم ليس صريحاً في رجوعهم، ولكنه شبهة في درء الحد. لأن امتناع الشهود عن رجم الزاني دليل على الرجوع في أقوالهم، فإن الشاهد ربما يتساهل في الأداء أولاً. ولكن عند مباشرة الفعل يتعاظم ذلك عليه، ويرق قلبه، ويرجع عن شهادته. فيرتفع الحد عن المتهمين، وفيه تثبيت وزجر، لما روي من حديث أبي بكرة أن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم رجم امرأة، وكان هو أول من رماها بحصاة مثل الحمصة، ثم قَالَ: (ارموها واتقوا الوجه).
روي عن عامر الشعبي قَالَ: كان لشرحة زوج غائب بالشام، وأنها حملت فجاء بها مولاها إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ، فقال: إن هذه زنت واعترفت فجلدها يوم الخميس مائة، ورجمها يوم الجمعة، وحفر لها إلى السرة، وأنا شاهد، ثم قَالَ: إن الرجم سنة سنها رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم، ولو شهد على هذه أحد لكان أول من يرمي الشاهد، يشهد ثم يتبع شهادته حجره، ولكنها أقرت فأنا أول من رماها بحجر، ثم رمى الناس وأنا منهم، فكنت واللَّه فيمن قتلها.
أبو يوسف من علماء الحنفية – قال: إن بداءة الشهود مستحبة، وليست مستحقة، فإذا امتنعوا أو غابوا، أو ماتوا – يقيم الإمام الحد، ولا يتركه، لأنه ثبت بالشهادة. فيجب إقامته.
الشافعية – قالوا: يبدأ بالرجم الإمام، أو نائبه، ولا يشترط أن يبدأ الشهود، وليس له أن يرجم نفسه لأن من فعل موجب القتل لا يصح له أن يقتل نفسه – بل ذلك للإمام، أو نائبه – .
الحنابلة – قالوا: يجوز للإمام أن يحضر رجمه وأن لا يحضر. وكذا الشهود لأن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم أمر برجم ماعز، ولم يحضر رجمه.
رجوع الشهود
إذا شهد أربعة على رجل بالزنا بفلانة، وأربعة غيرهم شهدوا بالزنا بامرأة أخرى، فرجم، ثم رجع الفريقان. في شهادتهم ضمنوا ديته إجماعاً، وحدوا للقذف جميعاً، عند الإمام أبي حنيفة، وأبي يوسف.
والإمام مُحَمَّد بن الحسن – قال: يضمنون الدية، ولكن لا يقام عليه حد القذف.
الحنفية – قالوا: إذا رجع الشهود بعد الرجم حد الراجع وحده وغرم ربع الدية، وإذا رجع واحد منهم قبل إقامة الحد حدوا جميعاً، لأنه كان سبباً في قتل المتهم ظلماً.
إذا تبين عدم عدالة الشهود
اختلف الفقهاء فيما إذا حكم القاضي على الزاني بالجلد فمات أو جرح ثم تبين له أن الشهود غير عدول. بل هم ممجرحون. أو تبين أنهم فسقة، أو عبيد، أو غير مسلمين. أو أحدهم محدود في قذف أو أعمى: فإنهم يحدون باتفاق العلماء:
أبو حنيفة – قال: لا ضمان على القاضي فيما حكم به، ولا على الشهود ولا على بيت المال، وقال الصاحبان: الأرش والدية على بيت المال.
المالكية – قالوا: إن قامت البينة على فسقهم لا يضمن القاضي، وإن قامت البينة على الرق والكفر يضمن، وعليه الدية لعائلة الذي أقيم عليه الحد، لتفريطه. في التأكد من عدالة الشهود.