پایگاه تخصصی فقه هنر

الفقه علی المذاهب الاربعة-ج5-ص1788

روى البخاري رحمه اللَّه تعالى في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه: أن رجلاً على عهد رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ كان اسمه عبد اللَّه، وكان يلقب حماراً، وكان يضحك رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، وكان الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ قد جلده في الشراب، فأتي به يوماً، فأقر به فجلد، فقال رجل من القوم، اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (لا تلعنوه، فواللَّه ما علمت إلا أنه يحب اللَّه ورسوله). وفي رواية (ولكن قولوا: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه). فقد نهى الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ عن لعنة من أقر بالشرب، وأقيم عليه الحد حيث أن الحد قد طهره من عقوبة الذنب، فنهى عن ذلك خشية أن يوقع الشيطان في قلب العاصي، أن من لعن في حضرته صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ ولم ينهه، فقد أقره على ذلك، فيحصل له تأثير نفسي.

(يتبع…)

(تابع… 1): -اتفق الأئمة: على أنه لا يقام الحد على السكران بإقراره على نفسه وهو… …

وقد ذكر العلماء أنه لا ينبغي تعيير أهل المعاصي، ومواجهتهم باللعن، وإنما ينبغي أن يلعن في الجملة من فعل فعلهم، ويكون ذلك رادعاً، وزاجراً عن ارتكاب شيء منها، وحتى يفتح أمام المذنب باب التوبة، والقبول، فإن من قبل اللَّه توبته يكتبها له طاعة من الطاعات، ويجعلها محاءة للذنوب.

وقد روي أن سيدنا عمر رضي اللَّه تعالى عنه افتقد رجلاً ذا بأس شديد من أهل الشام فقيل له: تتابع في هذا الشراب – أي شرب الخمر – فقال سيدنا عمر عمر لكاتبه: اكتب من عمر إلى فلان، سلام عليك، وأنا أحمد اليك اللَّه الذي لا إله إلا هو، بسم اللَّه الرحمن الرحيم: حم تنزيل الكتاب من اللَّه العزيز العليم، غفر الذنب قابل التوب، شديد العقاب، ذي الطول، لا إله إلا هو إليه المصير

ثم ختم الكتاب، وقال لرسوله: لا تدفعه إليه حتى تجده صاحياً، ثم أمر من عنده بالدعاء له بالتوبة، فلما أتته الصحيفة جعل يقرؤها ويقول: قد وعدني اللَّه أن يغفر لي، وحذرني عقابه، فلم يبرح يؤددها حتى بكى، ثم نزع فأحسن النزوع، وحسنت توبته، فلما بلغ سيدنا عمر أمره قَالَ: هكذا فاصنعوا، إذا رأيتم أخاكم قد زل زلة فسددوه، ووقفوه، وادعوا اللَّه أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعواناً للشياطين عليه.

ولا شك أن هذه سياسة حكيمة من سيدنا عمر بن الخطاب أمير المؤمنين في معالجة المنحرفين والمرتكبين.

الخمر ملعونة

إن الخمر ملعونة على لسان رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، بل لعن كل من له صلة بالخمر من قريب أو بعيد. ومعنى اللعن – هو الطرد من رحمة اللَّه تعالى، والحرمان من رضوانه عز وجل، وذلك نهاية الشقاوة والحرمان، فقد روى ابن ماجة، والترمذي، عن ـنس بن مالك رضي اللَّه عنه قَالَ: (لعن رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ في الخمر عشرة: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وأكل ثمنها، والمشتري لها، والمشترى له) وقال صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (أتاني جبريل فقال: يا مُحَمَّد إن اللَّه لعن الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وشاربها والمحمولة إليه، وبائعها، ومبتاعها، وساقيها، ومسقاها) وهو عن ابن عباس رواه أحمد بإسناد صحيح وابن حبان في صحيحه والحاكم وروى أبو داود وابن ماجة عن عمر حديثاً بمعناه وليس فيه ذكر جبريل.