الفقه علی المذاهب الاربعة-ج4-ص1743
الشرط الثاني: أن تكون حرة، فلو كانت مملوكة كانت نفقتها على مالكها، وتقدر لها نفقة الكفاية، بحيث يرى القاضي ما يكفيهم ويقدره لها، فإذا اصطلحوا على نفقة معينة فإن كانت زائدة عن كفايتهم، فللأب أن يطلب إنقاص الزائد، وإذا نقصت عن الكفاية فلهم طلب الكفاية، وعلى كل حال فيصح أن يصطلحا على ما يدخل تحت التقدير، بأن يقدر بعضهم كفايتهم بعشرة، وبعضهم يقدرها بتسعة فيصطلحا على تسعة، أما إذا اصطلحا على خمسة عشرة فلم يدخل تحت التقدير، فللأب انقاصه، وكذا إذا اصطلحا على سبعة، فلها طلب الزيادة، والصبي الغني، هو الذي له مال حاضر، سواء كان عقاراً أو نقوداً أو ثياباً، فإن للأب أن يبيع ذلك وينفق عليه منه القدر اللازم لسكناه وحاجته الضرورية، فإن كان للصبي مال بعيد عنه لا يمكنه الحصول عليه حالاً كانت النفقة على أبيه إلى أن يحضر ماله. فإذا كان للصبي استحقاق في وقف لا يأتيه إلا في نهاية العام وجب على أبيه أن ينفق عليه، لأن هذا بمنزلة المال البعيد عنه، ولا يرجع الأب على الصغير بما أنفقه إلا إذا أشهد على أنه ينفق عليه ديناً، ويرجع عليه بعد حضور ماله، أو أذنه القاضي بالإنفاق، فإن لم يشهد ولم يأذنه القاضي، ولكن أنفق عليه بنية الرجوع، فإنه لا يصدق قضاء، وله الرجوع ديانة، فإذا كان الأب موسراً وامتنع عن النفقة على أولاده حبس في نفقتهم، ولا يحبس الوالد في دين ولده إلا دين النفقة، وإن كان معسراً فإنه يكلف بالتكسب والإنفاق، فإن عجز عن التكسب والإنفاق، وجب الإنفاق على أقارب الأولاد، وأقربهم إليهم أمهم، فإن كانت موسرة أمرت بالإنفاق عليهم، على أن يكون ما تنفقه ديناً على الأب، إذا أيسر لها حق الرجوع عليه بما أنفقته، فإن لم تكن لهم أم موسرة وكان لهم جد موسر فإن نفقتهم تجب على جدهم، ثم إن كان أبوهم زمناً – به عاهة تمنعه من التكسب – سقطت عنه النفقة نهائياً فلا يرجع عليها والده بشيء، لأن نفقة الكبير الزمن على أبيه، وكذلك أولاده نفقتهم على جدهم، ولا يرجع بها كما لو كان أبوهم ميتاً، أما إذا لم يكن زمناً، فإن النفقة تكون ديناً عليه، فإن لم يكن لهم جد موسر، وكان لهم عم أو أخ موسر وجبت النفقة على واحد منهما، فللأم أن تطالب أحدهما بالإنفاق بدون تقديم لأحدهما على الآخر. فإذا طالبت أحدهما فرض عليه بالإنفاق، ويحبس إن امتنع، وإلا وجب الإنفاق على الأقرب فالأقرب، وعلى كل حال، فالصحيح أن المنفق يرجع بما أنفقه على الأب إذا أيسر إلا في حالة واحدة، وهي ما إذا كان المنفق الجد، وكان الأب زمناً، فإنه في هذه الحالة يكون كالميت فتسقط عنه النفقة، فإن لم يكن له قريب موسر وكان يستطيع التكفف، فإنه يؤمر بالتكفف لإطعام أولاده الصغار، فإن لم يستطع وجبت نفقتهم في بيت المال، كي لا يضيعوا.
المالكية – قالوا: يجب على الأب نفقة أولاده بشروط:
أحدها: أن يكونوا فقراء لا مال لهم، فلو كان للولد مال، أو صنعة رائجة يمكنه أن يتكسب منها فلا نفقة له على أبيه، وكذا إذا كان له مال ونفد قبل بلوغه فإنه يكون له الحق في النفقة على أبيه ثانيها: أن يكون بالغاً عاقلاً قادراً على الكسب، فإذا بلغ على هذه الحال فإن نفقته تسقط عن أبيه ولا تعود ثانياً إن طرأ عليه جنون أو عجز عن الكسب، أما إذا بلغ مجنوناً أو ذا عاهة تمنعه من الكسب فإن نفقته تستمر على أبيه. ثالثها: أن لا يكون الولد مملوكاً لغير أبيه، فإن كان مملوكاً وجبت نفقته على سيده. رابعها: أن يكون الأب موسراً فإن كان معسراً فإن نفقة الولد تسقط عنه، ولا يجبر الأب المعسر أن يكسب بصنعة أو غيرها لينفق على ولده المعسر ولو كان لذلك الأب صنعة، كما لا يجبر الولد على ذلك للإنفاق على أبيه، كما يأتي.
وإذا كانت أنثى حرة فإن نفقتها تجب على أبيها حتى يدخل بها زوجها، أو يدعى للدخول بها وهي مطيقة، فإن النفقة في هذه الحالة تجب على الزوج، كما تقدم، فإذا كانت زمنة فقيرة واستمرت بها الزمانة، ثم طلقها زوجها أو مات عنها عادت نفقتها على أبيها، ومثل ذلك ما إذا عادت إلى أبيها صغيرة أو بكراً، أما إذا عادت ثيباً بالغة صحيحة فإن نفقتها لا تعود على أبيها. فتحصل أن النفقة لا تعود على أبيها إذا عادت له بالغة صحيحة، أما إذا عادت زمنة فإن نفقتها تلزمه مطلقاً، على التحقيق، سواء كانت بالغة أو لا، وسواء دخل بها الزوج زمنة أو صحيحة ثم زمنت عنده.
وتسقط نفقة الأولاد بمضي المدة، فلو أطعمهم أحد غير أبيهم زمناً، فليس لهم المطالبة بخلاف الزوجة فإن نفقتها لا تسقط بمضي المدة، كما تقدم، نعم إذا خاصم أحد عن الأولاد أمام قاض لا يرى سقوطها بمضي المدة، فقضى بالنفقة الماضية المتجمدة، فإنها تتقرر ولا تسقط، ومثل ذلك ما إذا أنفق على الأولاد شخص غير متبرع، فإن له الحق في الرجوع على أبيهم الموسر بما أنفق، بخلاف ما إذا أنفق شخص غير متبرع على والدي شخص آخر، فإنه لا يرجع عليه إلا بقضاء الحاكم، وتقدر لهما النفقة فيما يفضل عن قوته وقوت زوجته بما فيه كفايتهم.