پایگاه تخصصی فقه هنر

الفقه علی المذاهب الاربعة-ج4-ص1559

هذا هو المقرر المنقول عن مالك، ولكن التحقيق أن الإفتاء بذلك يتبع العرف، فإن كان العرف يستعمل التخيير في تمليك الثلاث بقطع النظر عن نية الزوج المخير عمل به، وإلا عمل بما عليه العرف، والظاهر أن المنقول عن الإمام مالك من أن التخيير للمدخول بها يملكها الثلاث بدون نية مبني على عرف زمانه، وإلا فالواقع أن التخيير ليس صريحاً في الطلاق، فهو كناية لا يلزم به شيء لغة، كما هو الحال عند الأئمة الثلاثة، ولكن المالكية يعتبرون العرف ويقدمونه على اللغة، فإذا نقل العرف لفظاً من معناه اللغوي إلى مفهوم آخر واستعمله فيه كان صريحاً فيه، وهذا هو الذي كان في عهد مالك رضي اللّه عنه في تخيير المرأة، أما إذا كان عرف زماننا على أنه لا يقع طلاق بالتخيير إلا بالنية، فإنه يعمل به لأن الحكم يتغير بتغير العرف.

هذا هو إيضاح الفرق بين التوكيل، والتخيير، والتمليك.

أما الصيغ التي تدل على التخيير، فهي كل لفظ يدل على أن الزوج فوض لامرأته البقاء على عصمته، أو عدم البقاء ومن ذلك أن يقول لها: اختاري نفسك، أو اختاريني أو اختاري أمرك.

وأما الصيغ التي تدل على التمليك، فهي كل لفظ يدل على أن الزوج جعل الطلاق بيد امرأته أو بيد غيرها بدون تخيير، ومن ذلك أن يقول لها: طلقي نفسك أو ملكتك أمرك، أو وليتك أمرك أو أمرك بيدك أو طلاقك بيدك أو نحو ذلك.

أما الصيغ التي تدل على التوكيل فقد ذكرت في – مباحث الوكالة – في الجزء الثالث، فارجع إليه.

وإذ قد عرفت الفرق بين الرسالة والتمليك، والتخيير، والتوكيل، وعرفت الصيغ التي تدل على كل منها، فاعلم أنه يتعلق بها أحكام بعضها مشترك بينها، وبعضها خاصة بأحدها دون الآخر، فمن الأحكام المشتركة وجوب الحيلولة بين الزوجين بعد التمليك، أو التخيير، أو التوكيل الذي يتعلق به حق الزوجة، فإذا قال لها: اختاري نفسك، أو قال لها، أمرك بيدك، أو قال لها: إن تزوجت عليك فأمرك بيدك توكيلاً، ثم تزوج عليها، وجب عليه أن يعتزلها ولا يقربها حتى تجيب بما يقتضي أنها طلقت نفسها أو ردت الطلاق، وذلك لأن العصمة في هذه الحالة مشكوك في بقائها، لأن للمرأة تطلق نفسها في أي وقت، ولا يحل الاستمتاع بامرأة مشكوك في بقاء زوجيتها، ولا نفقة لها زمن الحيلولة لأنها هي السبب، فإذا ماتا في زمن الحيلولة يتوارثان، أما التوكيل الذي لم يتعلق به حق لها، كما إذا قال لها: وكلتك في طلاق نفسك فإنه لا يمنع قربانها، فلو استمتع بها بعد التوكيل، ولو مكرهة كان ذلك الاستمتاع عزلاً لها من التوكيل، حتى ولو كان الزوج قاصداً بقاءها على التوكيل.

ويصح تعليق التخيير والتمليك على أمر من الأمور، كأن بقول لها: إن جاء والدك اختاري نفسك. أو إن قدم أخوك طلقي نفسك، فإذا قال ذلك: لا يجب التفريق بينهما حتى يجيء أبوها، أو يقدم أخوها.