الفقه علی المذاهب الاربعة-ج4-ص1555
وإذا قال لها: طلقي نفسك ثلاثاً فطلقت نفسها واحدة وقعت واحدة، وإذا قال لها: طلقي نفسك واحدة فطلقت نفسها ثلاثاً فإنه لا يقع به شيء على الراجح، وقيل: تقع به واحدة. وإذا قال لها: طلقي نفسك ثلاثاً إن شئت، فقالت: أنا طالق لا يقع به شيء، وذلك لأنه علق الطلاق الثلاث على مشيئتها الثلاث، ولا يمكن إيقاع الطلاق بلفظ طالق، فلم يقع به شيء، لأنه يوجد المعلق عليه، فإذا قالت أنا طالق ثلاثاً وقع الثلاث، وإذا قال لها: طلقي نفسك، فقالت: أنا طالق وقع طلاق واحد، أما إذا قال لها: طلقي نفسك، فقالت: أنا طالق فإنه لم يقع به شيء إلا إذا كان العرف يستعمل صيغة المضارع في الطلاق، أو نوت به إنشاء الطلاق لا الوعد بالطلاق في المستقبل.
وأما التفويض بقوله: اختاري فإنك قد عرفت أنه كناية، ولا يقع به شيء إلا إذا نوى، ثم إنه إذا نوى به ثلاثاً فإنه لا يصح، وذلك لأن معنى اختيار نفسها في هذه الحالة تخليصها من قيد الزوجية، والذي يخلصها من قيد الزوجية هي البينونة، فالبينونة هي التي يستلزمها لفظ الاختيار فهي مقتضى اللفظ، ومقتضى اللفظ لا عموم له لأنه ضروري، فيقدر بقدر الضرورة، وهي البينونة الصغرى، فلا تصح نية الكبرى لعدم احتمال اللفظ إياها، وهذا بخلاف ما إذا قال لها: أنت بائن ونوى به الثلاث فإنه يصح ويلزمه ما نواه، فإن لفظ البينونة مذكور. فلا مانع من إرادة العموم منه، ومثل ذلك ما إذا قال لها: أمرك بيدك فإنه إذا نوى به الثلاث يلزمه ما نواه، كما تقدم في مبحث الكنايات.
فإذا قال لها: اختاري ونوى به الطلاق، وقالت: اخترت نفسي فإنه يقع به واحدة بائنة، لأنه كناية، وإذا قالت: أنا أختار نفسي بصيغة المضارع فإنه يقع به طلاق بائن أيضاً، وهذا بخلاف ما إذا قالت: أنا أطلق نفسي فإنه لا يقع إلا إذا نوت إنشاء الطلاق أو كان العرف يستعمله في الطلاق كما تقدم قريباً.
ويشترط في إيقاع الطلاق بلفظ اختاري أن يذكر الزوج أو المرأة أحد لفظين. إما النفس وإما الاختيارة، بأن يقول لها الزوج، اختاري نفسك، أو يقول لها: اختاري، وهي تقول: اخترت نفسي. أو يقول لها: اختاري اختيارة، فتقول: اخترت أو يقول لها اختاري، فتقول: اخترت اختيارة، وذلك لأن ذكر اختيارة يقوم مقام ذكر النفس، ومثل ذلك ما إذا قال لها: اختاري أمك، أو اختاري طلقة، فتقول: اخترت، وإذا قال لها: اختاري، فقالت اخترت أبي أو أمي، أو أهلي، أو الأزواج، فإنه يقوم مقام ذكر النفس، فيقع به البائن.