الفقه علی المذاهب الاربعة-ج4-ص1554
وإذا كانت في سفينة جارية وفوض لها طلاقها فإن انتقال السفينة من مكانها لا يضرها لأنها كالمنزل بالنسبة لها، إنما الذي يبطل تفويضها أن تقوم هي من مكانها أو تعمل ما يدل على الإعراض وإذا كانت راكبة دابة سائرة فأوقفتها فإنه لا يضر، وإذا كانت واقفة فسيرتها فإنه يضر، لأنها سارت باختيارها إلا إذا أجابته بمجرد سكوته من التفويض بحيث وصلت قولها: طلقت نفسي بقوله: طلقي نفسك فإنه يصح مع تسيير الدابة، وإذا كانت في محمل يقوده الجمال فإنه يعتبر كالسفينة والبيت.
هذا إذا لم يؤقت التفويض بوقت، فإذا أقته بوقت، كأن قال لها: طلقي نفسك أثناء شهرين أو نحو ذلك فإن لها أن تطلق نفسها في خلال المدة، وإذا قال لها: طلقي نفسك متى شئت، أو متى ما شئت، أو إذا شئت، أو إذا ما شئت فإن لها أن تطلق نفسها في أي وقت شاءت، ولا يصح رجوعه على أي حال، لأنه قد ملكها الطلاق، كما تقدم.
هذا، ويتعلق بألفاظ التفويض الثلاثة المذكورة أحكام أخرى، إليك بيان ما يلزم منها:
فأما التفويض صريحاً فإنه يتعلق به أحكام، منها أنه إذا قال لزوجته: طلقي نفسك، فقالت: طلقت نفسي وقعت واحدة رجعية، سواء نوى واحدة، أو لم ينو شيئاً، وكذا إذا نوى ثنتين فإنه يقع به واحدة فقط، لما عرفت من أن الطلاق الصريح موضوع للواحدة، فلا يصلح لنية الاثنتين، نعم إذا نوى بقوله: طلقي نفسك الثلاث فطلقت نفسها لزمته الثلاث، كما تقدم في الصريح، وإذا قال لها: طلقي نفسك، فقالت: أبنت نفسي وقع به طلاق رجعي، وذلك لأنه لما قال لها: طلقي نفسك فقد ملكها أصل الطلاق فزادت عليه وصف البينونة، فيلغي الوصف الزائد ويثبت الأصل فلا يشترط في وقوع الطلاق بقولها: أبنت نفسي أن تنوي المرأة الطلاق، كما لا يشترط إجازة الزوج الطلاق بها، وهذا بخلاف ما إذا قالت: أبنت نفسي ابتداء بدون أن يقول لها: طلقي نفسك فإنه لا يقع به الطلاق إلا إذا نوت المرأة الطلاق، وأجاز الزوج الطلاق بذلك مع نية الطلاق. أما إذا قال لها: طلقي نفسك، فقالت: اخترت نفسي فإنه لا يقع به شيء أصلاً، وذلك لأن قولها: اخترت نفسي ليست من ألفاظ التفويض لا صريحاً ولا كناية فيقع لغواً، نعم يكون كناية إذا قال لها: اختاري، فقالت: اخترت نفسي فإنه يقع به الطلاق البائن بشرط أن ينوي الزوج به الطلاق وتنوي الزوجة كذلك.