پایگاه تخصصی فقه هنر

الفقه علی المذاهب الاربعة-ج4-ص1491

واعلم أن معنى كون الطلاق سنياً، أن السنة بينت الوقت الذي يصح أن يقع فيه الطلاق، والحالة التي ينبغي أن يكون عليها، ولو كان في ذاته حراماً، أو مكروهاً، أو واجباً، أو مندوباً، فهو سني إذا وقع بهذه الصورة ولو كان منهياً عنه من جهة أخرى، وكذلك قد يكون بدعياً لمخالفته الزمن والعدد المحدد بالسنة، ولكنه حرام، أو واجب الخ باعتبار آخر، فمثال الطلاق الحرام لعارض أن يكون الرجل متعلقاً بامرأته، وإذا طلقها يخشى على نفسه الوقوع في الزنا بها فإنه في هذه الحالة يحرم عليه طلاقها، فإذا طلقها مع هذا وهي حائض، أو نفساء، أو طلقها ثلاثاً، أو طلقها بعض طلقة، كان ذلك حراماً آخر فيأثم إثمين، بخلاف ما إذا طلقها في طهر لم يمسها فيه طلقة واحدة كاملة، فإنه يكون سنياً لا إثم فيه من هذه الناحية، ومثال الواجب أن يعجز عن القيام بحقوق الزوجية من نفقة ووطء وتضررت ولم ترض البقاء معه، فإنه في هذه الحالة يجب عليه طلاقها فإذا طلقها طلاقاً بدعياً كان محرماً مع كونه واجباً من جهة أخرى، فيثاب من حيث امتثال أمر الشارع بالطلاق الواجب ويعاقب من حيث إيقاعه في الوقت الذي نهى الشارع عنه، ومثال المندوب أن تكون المرأة سيئة الخلق بذيئة اللسان، فإن طلاقها في هذه الحالة يكون مندوباً يثاب عليه، ولكن إذا طلقها طلاقاً بدعياً فإنه يعاقب من جهة أخرى، وإذا طلقها طلاقاً سنياً فلا يعاقب، ومثال المكروه أن يكون للرجل رغبة في الزواج ويرجو من بقائها معه نسلاً ولم يقطعه بقاؤها عن عبادة واجبة فإن في هذه الحالة يكره له طلاقها، وإذا طلقها طلاقاً بدعياً يأثم، وقد عرفت أن الطلاق في ذاته خلاف الأولى، عند المالكية، فإذا لم يوجد سبب من الأسباب المذكورة وطلقها كان طلاقه خلاف الأولى، فإذا طلقها بدون سبب طلقها بدعياً كان محرماً مع كونه خلاف الأولى في ذاته، وإذا طلقها طلاقاً سنياً فقد خالف الأولى وكان إلى البغض أقرب منه إلى المحبة في نظر الشارع. واعلم أن الراجح عند المالكية أن الطلاق البدعي محرم لما ثبت في الصحيح من تحريمه بصرف النظر عن تطويل عدة المرأة، ولهذا لا يستثنون الخلع في زمن الحيض ونحوه، فإذا طالبته بالخلع بمال فإنه يحرم عليه أن يجيبها إلى طلبها، وأيضاً فإنه إذا كان معلقاً بتطويل العدة يكون ذلك حقاً للمرأة، فلو رضيت بإسقاطه جاز مع أنه ليس كذلك، وأيضاً فإن الزوج يجبر على الرجعة كما ستعرفه من غير أن تطالبه الزوجة بالرجعة فدل ذلك على أنه حق الشارع لا حقها نعم يصح فسخ النكاح الفاسد الذي يفسخ قبل الدخول وبعده وهي حائض لأن في التفريق بينهما رفع مفسدة، ومثل ذلك طلاق الإيلاء، فإذا حلف لا يقرب زوجته أكثر من أربعة أشهر فإن رجع إليها فذاك، وكذا إذا وعد بالرجعة، وإلا وجب طلاقها ولو حائضاً. ولكنه يجبر على الرجعة، ثم يطلقها حال الطهر.

الشافعية – قالوا: ينقسم الطلاق من هذه الحيثية إلى ثلاثة أقسام: الأول: السني. الثاني: البدعي. الثالث: ما ليس بسني ولا بدعي، فالسني يتحقق بقيود أربعة:

الأول: أن تكون المرأة مدخولاً بها، فإن لم تكن مدخولاً بها فإن طلاقها لا يوصف بكونه سنياً أو بدعياً.

(يتبع…)

(تابع… 1): – قد عرفت أن الطلاق ينقسم إلى سني وبدعي، فأما السني فهو ما كان في… …

الثاني: أن تكون ممن يعتد بالإقراء – جمع قرء – وهو الطهر من الحيض، لأن العدة عند الشافعية تعتبر بالطهر لا بالحيض، فلو طلقها قبل أن ينتهي طهرها بزمن يسير ثم حاضت، فإن الزمن اليسير من الطهر يحسب لها طهراً كاملاً كما سيأتي في العدة، فإذا كانت يائسة من الحيض، أو كانت صغيرة لا تحيض، أو كانت حاملاً بوطء العقد الصحيح، أو طلب أن يخالعها، وهي حائض، فإن طلاقها لا يوصف بكونه سنياً، ولا بدعياً، وكذلك لأن عدتها معروفة ولا اشتباه فيها، فإن الصغيرة واليائسة من الحيض تعتد بثلاثة أشهر، والحامل تعتد بوضع الحمل، فلا يتصور تطويل العدة عليهن، فإذا كانت الحامل ممن يحضن حال الحمل، فإنه يصح طلاقها وهي حائض إذا كان حملها ظاهراً، فإن لم يظهر حملها وطلقها وهي حائض فطلاقها بدعي لأنه قد يؤدي إلى الندم بعد ظهور الحمل، فإن الرجل قد يندم على طلاقها ثلاثاً مع وجود ولده معها، أما الحامل من زنا، أو الحامل من الوطء بشبهة، فإن طلاقها وهي حامل بدعي، فإذا تزوج شخص امرأة غير حصينة فأباحت نفسها لغيره وهو غائب عنها فحملت من الزاني ثم حضر الزوج وأنكر حملها فإنه لا يجوز له أن يطلقها في هذه الحالة، بل يمسكها حتى تضع حملها وتطهر من النفاس وذلك تطويل عليها، وإذا كانت تحيض وهي حامل فإن له أن يطلقها بعد أن تطهر من حيضها حتى ولو جامعها في هذا الطهر، لأنها حبلى فلا يتصور حبلها مرة أخرى.

هذا هو ظاهر كلام الشافعية، وهو كما يظهر تطبيق للقاعدة المقررة لهذا، وهي أنه يحرم تطويل العدة على المرأة، بل يجب أن يطلقها الرجل فتشرع في العدة بدون إبطاء عملاً بقوله تعالى: فطلقوهن لعدتهن