پایگاه تخصصی فقه هنر

الفقه علی المذاهب الاربعة-ج4-ص1453

وبعد، فقد أول بعض المحققين خبر عائشة هذا بأنه ليس الغرض منه أن ذلك كان آية من كتاب اللّه، بل كان حكماً من الأحكام الشرعية التي أوحى اللّه بها إلى رسوله في غير القرآن، وأمر القرآن باتباعها فمعنى قولها: كان فيما أنزل اللّه في القرآن عشر رضعات معلومات الخ، كان من بين الأحكام التي أنزلها اللّه على رسوله، وأمرنا باتباعها في القرآن أن عشر رضعات لا شك فيها يحرمن، ثم نسخ هذا الحكم بخمس رضعات معلومات يحرمن، وتوفي رسول اللّه وهذا حكم باق لم ينسخ، فأما كونه منزلاً موحى به فذلك لأنه صلى اللّه عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، وأما كوننا مأمورين باتباع ما جاء به الرسول من الأحكام فلأن اللّه تعالى قال: وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا

، فلو أن الشافعية والحنابلة رضوا بهذا التأويل لخرجت المسألة من كونها قرآناً إلى كونها حديثاً صحيحاً، وتكون دلالته على ما يريدونه ظاهرة، ومع ذلك فإن الشافعية قد أولوا قول عائشة فتوفي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو يقرأ – بأنه يذكر حكمه – وهذا التأويل يقربهم إلى تأويل الحديث كله بالمعنى الذي أشرنا إليه، وقد جاء مثل هذا التأويل فيما رواه البخاري عن عمر بن الخطاب بأن رجم الزاني المحصن نزل في كتاب اللّه، فقال: إن معناه أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قد رجم فعلاً، واللّه تعالى قال: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا

فيكون الرجم على هذا مذكوراً في كتاب اللّه، أما ما نقله البخاري تعليقاً من أن الذي كان في كتاب اللّه ورفع لفظه دون معناه، فهو – الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة الخ – فإنني لا أتردد في نفيه لأن الذي يسمعه لأول وهلة يجزم بأنه كلام مصنوع لا قيمة له بجانب كلام اللّه الذي بلغ النهاية في الفصاحة والبلاغة، فضلاً عن كونه لا ينتج الغرض المطلوب فإن الرجم شرطه الإحصان، والشيخ في اللغة من بلغ سن الأربعين، فمقتضى هذا أنه يرجم ولو كان بكراً لم يتزوج، وكذا إذا زنا الفتى في سن العشرين مثلاً وهو متزوج فإنه لا يرجم، فمثل هذه الكلمة لا يصح

مطلقاً أن يقال: إنها من كتاب اللّه.

والحاصل أن الأخبار التي جاء فيها ذكر كلمة من كتاب اللّه على أنها كانت فيه ونسخت في عهد رسول اللّه فهذه لا يطلق عليها أنها قرآن ولا تعطى حكم القرآن باتفاق، ثم ينظر إن كان يمكن تأويلها بما يخرجها عن كونها قرآناً، فإن الإخبار بها يعطى حكم الحديث، وإن لم يمكن تأويلها فالذي أعتقده أنها لا تصلح للدلالة على حكم شرعي لأن دلالتها موقوفة على ثبوت صيغتها وصيغتها يصح نفيها باتفاق، فكيف يمكن الاستدلال بها؟ فالخير كل الخير في ترك مثل هذه الروايات. أما الأخبار التي فيها أن بعض القرآن المتواتر ليس منه، أو أن بعصاً منه قد حذف فالواجب على كل مسلم تكذيبها بتاتاً. والدعاء على راويها بسوء المصير، لأن إدخال شيء في كتاب اللّه ليس منه، وإخراج شيء منه ردة نعوذ باللّه منها.