الفقه علی المذاهب الاربعة-ج4-ص1421
أما الجواب عن السؤال الثاني، فهو أن أبا حنيفة يقول: إن الفرقة بينهما لا تكون طلاقاً، بل هي فسخ لا يهدم شيئاً من عدد الطلاق فإذا ارتد الزوج ثم تاب وجدد النكاح عليها لم ينقص ذلك شيئاً مما له من الطلاق، وكذا إذا ارتد ثانياً وجدد النكاح، ثم ارتد ثالثاً، فإن له أن يجدد نكاحها بدون محلل، ولا يقال له: إنك قد طلقتها ثلاثاً بردتك ثلاث مرات، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً آخر، وهذا بخلاف ما إذا أسلمت زوجته ثم عرض عليه الإسلام فأبى فإن إباءه الإسلام يعتبر طلاقاً عند أبي حنيفة، كما تقدم، ومحمد يرى أن لا فرق بين الحالتين، فالفسخ فيهما يكون طلاقاً، وأبو يوسف يرى أن الفسخ في الأمرين ليس بطلاق.
ووجهة نظر أبي حنيفة أن الطلاق يتضمن الزوجية، فإنه لا يقع إلا على زوجة، أما الردة فإنها تنافي الزوجية بطبيعتها، فلا يمكن أن تجعل طلاقاً يتضمن زوجية بحال، بخلاف إباء الزوج عن الإسلام، فإنه ليس فيه خروج عن دين الإسلام، فحل محل طلاق المرأة التي أسلمت.
هذا، وإذا ارتدت المرأة ثم طلقها زوجها وهي في العدة وقع الطلاق، فإذا طلقها ثلاثاً وهي في العدة فإنها لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، وذلك لأن تحريمها بالردة لم يكن على التأبيد ألا ترى أنه يرتفع بالإسلام؟ فمتى كانت في العدة كانت علاقتها به قائمة، ولكن يشترط لوقوع الطلاق أن لا تلحق بدار الحرب، فإذا لحقت بدار الحرب فطلقها زوجها ثم عادت مسلمة قبل الحيض. فعنده يقع، وعندها لا يقع، أما الزوج إذا ارتد ولحق بدار الحرب وطلق فإن طلاقه لا يقع، وإذا عاد وهو مسلم ثم طلقها قبل أن تنقضي عدتها فإنه يقع.
أما الجواب عن الثالث، فإنه إذا ارتد الزوج وورثته المرأة، بشرط أن تكون في العدة بلا فرق بين أن تكون ردته في حال مرضه أو صحته، فمتى مات الزوج بعد ردته أو لحق بدار الحرب قبل انقضاء عدتها فإنها ترثه، أما إذا ارتدت في حال صحتها ثم ماتت. أو لحقت بدار الحرب قبل انقضاء عدتها فإن الزوج لا يرثها، وإذا ارتدت في حال مرضها ثم ماتت، أو لحقت بدار الحرب فإنه يرثها، والفرق بين الزوج والزوجة في ذلك أن الزوج جزاؤه على ردته أن يعدم إن لم يتب، فكأنه وهو في صحته مريض مرضاً يفضي إلى الموت لا محالة، فيكون بمنزلة الرجل الذي يطلق زوجته وهو في مرض الموت فراراً من أن ترثه، فلا يسقط طلاقها في هذه الحالة حقها من الميراث، أما المرأة فلا تجزى على الردة بإعدام إن امتنعت عن العودة إلى الإسلام كما عرفت من أن جزاءها الحبس، فلا تكون في حال صحتها فارة بالردة من ميراث الرجل.