الفقه علی المذاهب الاربعة-ج4-ص1417
والجواب: أن فيه تفصيلاً، وهو إن كانت المسلمة الزوجة، كما هو فرض المسألة التي ذكرناها كانت فرقة بطلاق لأن الفرقة مبنية على انقضاء المدة التي حلت محل إباء الرجل، وإباؤه طلاق لأنه يملك الطلاق أما إن أسلم الزوج وكانت الزوجة وثنية فإنه لا يعرض عليها الإسلام في دار الحرب أيضاً فلا تبين منه حتى تنقضي المدة المذكورة وتحل محل إبائها، وإباؤها ليس بطلاق لأنها لا تملك، كما تقدم قريباً، ثم إن المذكورة ليست بعدة، وذلك لأنها تتناول غير المدخول بها، فإذا تزوج الكتابي في دار الحرب، وأسلمت زوجته قبل الدخول بها لا تبين منه حتى تحيض ثلاث حيضات إن كانت من ذوات الحيض، أو يمضي عليها ثلاثة أشهر إن لم تكن كذلك، ولو كانت هذه المدة عدة لسقطت عن غير المدخول بها، ولكنها – كما عرفت – قد اشترطت لتقوم مقام سبب الفرقة، وهو الإباء المترتب على عرض الإسلام، كالمدخول بها بدون فرق، وهل تجب العدة بعد ذلك على المدخول بها أو لا “والجواب: أن المدخول بها إن كانت هي الحربية التي لم تسلم وأسلم زوجها، فلا عدة عليها لأنه لا عدة إلى الحربية باتفاق، وإن كانت هي التي أسلمت فإن فيها خلافاً فأبو حنيفة يقول: إنها لا عدة عليها أيضاً، وصاحباه يقولان: عليها العدة بعد انقضاء المدة المذكورة، ولا فرق في اشتراط المدة لبينونتها أن تبقى في دار الحرب أو تخرج مها جرة إلى دار الإسلام وحدها أو تخرج هو وحده، وذلك لأننا قلنا: إن المدة تقوم مقام عرض القاضي الإسلام على من لم يسلم ولا يمكن العرض على الغائب فتقوم المدة مقام العرض، أما إذا اجتمعا معاً في دار الإسلام، فلا يخلو إما أن يجتمعا بصفة مستديمة بأن ينويا الإقامة والاستمرار. أو يجتمعا فيه مستأمنين بأن يدخلا دار الإسلام بأمان لتجارة ونحوها، وهما ينويان العودة، ففي الحالة الأولى: تكون الفرقة بينهما بعرض الإسلام كالمقيمين بدار الإسلام وفي الحالة الثانية تكون الفرقة أمرين: عرض الإسلام، أو قضاء المدة المضروبة.
ثم إن تباين الدارين تبايناً حقيقياً يوجب الفرقة بين الزوجين عند الحنفية، ومعنى تباين الدارين الحقيقي أن يخرج أحد الزوجين من دار الحرب إلى دار الإسلام كي يقيم بها إقامة مستمرة، أما إذا كان خرج إلى دار الإسلام بأمان لقضاء مصلحة ثم يعود، فإنه بذلك يكون مستأمناً فلا تفريق بينهما بهذا إلا إذا قبل أن يكون من أهل الذمة بأن تجري عليه الأحكام التي فرضها المسلمون على الذمي، فإنه بذلك يكون مقيماً بدار الإسلام حقيقة فتبين منه امرأته.
والحاصل أن الفرقة بين الزوجين كما تكون بإسلام الكتابية، أو إسلام أحد الزوجين الوثنيين بعد عرض الإسلام على من أصر على الكفر في دار الإسلام، وانقضاء المدة في دار الحرب، كذلك تكون الفرقة بينهما بتباين الدارين وانفصالهما عن بعضهما بالسفر، ونية الإقامة في دار الإسلام، أو في دار الحرب نهائياً، فلو تزوج المسلم كتابية في دار الحرب، ثم سافر عنها وحده إلى بلاد الإسلام ناوياً الإقامة فإنها تبين منه دون أن تنتظر المدة المتقدمة، وذلك لأن الكتابية تحل للمسلم بدون أن يعرض عليها الإسلام، أما إذا خرجت هي قبله وهو قد لحقها، أو خرجا معاً فإنها لا تبين، وذلك لأن دخولها دار الإسلام، وهي مقر زوجها الأصلي، جعل التباين حكمياً لأن الزوجة تابعة في الإقامة. وكذا إذا خرجت امرأة الكتابي إلى دار الإسلام دونه ناوية الإقامة، فتكون من أهل الذمة وتبين بذلك وكذا إذا خرجت زوجة الكتابي إلى دار الإسلام مسلمة فإنها تبين من باب أولى، ولا عدة لهما عند الإمام أبي حنيفة، إلا أنها إن خرجت لتكون من أهل الذمة وهي على دينها فإنها تبين منه في الحال بدون أن تحيض ثلاثة، أو بعد ثلاثة أشهر أو بعد وضع أما إذا أسلمت فإن عليها أن تنتظر المدة قائمة مقام عرض الإسلام عليه، كما ذكرنا، وعلى هذا فيحل العقد على الكتابية بمجرد دخولها دار الإسلام وصيرورتها من أهل الذمة، ولو كانت حاملاً إلا أنه لا يحل وطؤها حتى تضع الحمل كما هو رأي بعضهم، وبعضهم يقول: لا يصح العقد على الحامل أيضاً لا للعدة بل لشغل الرحم بحق الغير، وعلى الثاني الأكثر ورجع الأول بعضهم وكذا إذا أسلمت هناك وجاءتنا مسلمة قبل أن تكمل المدة المضروبة لبينونتها فإنها تنتظر عندنا حتى تكملها ولا عدة عليها بعد ذلك عند الإمام.