پایگاه تخصصی فقه هنر

الفقه علی المذاهب الاربعة-ج4-ص1407

ومما يوجب العجب العجاب قول بعضهم: أن أبوي النبيّ صلى اللّه عليه وسلم ماتا على الكفر وفي الوقت نفسه يذكرون أن آمنة كانت تحوطها الملائكة الكرام، وكان يرى نور النبوة في جبهة عبد اللّه الخ ما ذكروه، فهل المشرك النجس تزفه الملائكة وتخالطه الأرواح الطاهرة ويرى من إرهاصات النبوة ما يفيد انه من أقرب المقربين إلى ربه؟! وأغرب من هذا قولهم: إن اللّه تعالى قد أحيا أبوي النبيّ صلى اللّه عليه وسلم فآمنا به وماتا بعد ذلك. ولعل قائل هذا نسي أن قدرة اللّه كانت صالحة أيضاً لأن يهديهما إلى توحيد الإله في حال حياتهما، كما هدى زيد بن عمرو بن نفيل وغيره بل يصونهما عن عبادة الأصنام إكراماً لنور النبوة الذي أشرق على جميع العالم فأخرجه من الظلمات إلى النور، وأيهما أقرب إلى تعلق القدرة، هدايتهما قبل الموت أو إحياؤهما لمجرد الإيمان، وإماتتهما فوراً على أن الإيمان بعد الموت والمعاينة لا معنى له، وإذا كان الإيمان في حالة الاحتضار غير مفيد بعد أن يرى الإنسان العذاب ويوقن بما بعد الموت؟ فإذا قالوا: إن المسألة معجزة للنبيّ صلى اللّه عليه وسلم قلنا: إن المعجزة عند الضرورة. وأي ضرورة في هذا؟ إذ يكفي أن يغفر اللّه لهما بدون خرق للنظم. كل هذا كلام لا يصح ذكره في الكتب العلمية ولا المناقشة فيه بل الحق أن أجداد النبيّ صلى اللّه عليه وسلم كانوا موحدين جميعاً.

وما نقل عن بعضهم أنه تأثر بعادات قومه لم يكن مشركاً مطلقاً انظر ما روي عن جده عبد المطلب وهو يضرع إلى اللّه ويستغيث به من أصحاب الفيل حيث يقول:

لا هم إن المرء يمنع رحله فامنع رحالك وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك

فهل هذا كلام وثني يعبد الصنم، أو كلام موحد مخلص لربه؟

والذي أثار مثل هذه الشبهات الفاسدة أمران: أحدهما ما نقل عن أبي حنيفة أن أبوي النبيّ صلى اللّه عليه وسلم ماتا على الكفر. ثانيهما: ما رواه مسلم من أن النبيّ صلى اللّه عليه وسلم قال للأعرابي الذي سأله عن أبيه: “إن أبي وأباك في النار” أما قول أبي حنيفة رضي اللّه عنه فإن الذي حمله على ذلك هو تأييد مذهبه من أن أهل الفترة غير ناجين إذا أشركوا مع اللّه غيره فهم ملزمون بتوحيد اللّه بعقولهم لأن معرفة اللّه ثبتت بالعقل لا بالشرع، فغير الموحد من أهل الفترة مثل غيره من المشركين الذين جاءتهم الرسل ولا يخفى أن البحث يدور حول هذه المسألة من جهتين: إحداهما هل أهل الفترة ناجون أو لا، ثانيتهما: هل ثبت كون آباء النبيّ صلى اللّه عليه وسلم لم يكونوا موحدين أو لا، وما طريق الإثبات؟ ولا يخفى أن الأولى اعتقادية، ومعلوم أن العقائد لا تثبت إلا بالقطعي من دليل عقلي أو نقلي، والثانية تاريخية.

فأما الأدلة على أن أهل الفترة ناجون، فهي قطعية في نظري، وذلك لأن اللّه تعالى قال: وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً

وحمل الرسول على العقل خروج على الظاهر المعقول بدون ضرورة فإن الرسول إذا أطلق في لسان الشرع كان معناه – الإنسان الذي أوحى إليه بشرع أمر بتبليغه – والقرآن من أوله إلى آخره على هذا، قال تعالى: لئلا يكون للناس على اللّه حجة بعد الرسل

وأرسلنا رسلنا تترى

جاءتهم رسلهم

وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه